قوس المتوسط: خطة إسرائيل لمحاصرة تركيا عبر غاز أوروبا

في عهد الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب، أصبحت سياسة واشنطن تجاه الشرق الأوسط واضحة: دعم إسرائيل في توسعها الإقليمي. من جهتها، لم تخف إسرائيل أطماعها التوسعية، ساعية لإقناع واشنطن بضرب إيران ومحاصرة تركيا لضمان الهيمنة الكاملة على المنطقة.

ويشير محللون إلى أن تصريحات ترامب مثل “لن أسمح لإسرائيل بضم الضفة الغربية” كانت في الواقع سطحية، إذ سمحت في الوقت نفسه بحركة بناء المستوطنات الإسرائيلية في الضفة، وعززت القدس كعاصمة أبدية أمام الكنيست. بالتالي، يرى محللون أن التحالفات الإقليمية المستقبلية قد تميل إلى إيران وتركيا لمواجهة التوسع الاستيطاني الإسرائيلي، وأن ما يوقف هذا التوسع حالياً ليس الحماية الأمريكية المزعومة، بل القوة العسكرية التركية والصواريخ الإيرانية.

إسرائيل وواشنطن: تضخيم القوة العسكرية كأداة سياسية

التصريحات الإسرائيلية الأخيرة المعادية لتركيا تأتي في إطار دعمها لواشنطن وتعظيم مكانتها في الرأي العام الأمريكي والغربي، وإظهار إسرائيل كحليف أساسي لحماية أوروبا من تهديدات محتملة، بما في ذلك النفوذ الروسي.

قوس البحر الأبيض المتوسط: الجبهة الجديدة ضد تركيا

التحالف الثلاثي بين اليونان وقبرص وإسرائيل يمثل نواة أمنية وسياسية لمشروع أوسع يربط البحر الأبيض المتوسط بالمحيط الهندي ويهدف لتطويق نفوذ الصين وتركيا. تركيا تعتبر هذا التحالف تهديداً مباشراً لأمنها الإقليمي وطموحاتها، وأكد وزير خارجيتها هاكان فيدان أن أنقرة تراقب كل مناطق التطويق، سواء المرئية أو غير المرئية، وأن الرد سيشمل الخيارات الدبلوماسية أو العسكرية إذا لزم الأمر.

في الآونة الأخيرة، أصبح شرق البحر الأبيض المتوسط نقطة محورية للصراع الجيوسياسي المعروف باسم الحافة الهندية المتوسطية، وهو محور يربط بين المصالح الأمريكية في مواجهة التوسع الصيني، ويشكل تهديداً مباشراً للهيكل الأمني التركي.

الطاقة: ذريعة الهيمنة الإسرائيلية

اكتشافات الغاز الطبيعي في شرق البحر المتوسط، بما في ذلك حقول تمار وليفياثان وأفروديت وظهر، حولت المنطقة من مستورد للطاقة إلى مركز تصدير استراتيجي. وتزامن هذا مع رغبة أوروبا في استبدال الغاز الروسي، مما منح إسرائيل موقعاً استراتيجياً كمصدر موثوق للطاقة الأوروبية.

مشاريع الغاز: الربط الأوروبي وإبعاد تركيا

تم تأسيس منتدى غاز شرق المتوسط عام 2019 في القاهرة، لرسم خطوط حمراء ضد تركيا وإقناع واشنطن بمحاصرة التوسع الصيني.
ظهر مشروعان أساسيان:

  1. خط أنابيب إيست ميد: 1900 كلم تحت البحر لنقل الغاز الإسرائيلي عبر اليونان وقبرص إلى أوروبا.
  2. الربط البحري الكبير: أنبوب عميق يربط إسرائيل مباشرة بالشبكة الأوروبية.

ورغم التحديات التقنية والتكلفة العالية، فإن الهدف السياسي يفوق الهدف الاقتصادي: ربط أمن إسرائيل بأمن الطاقة الأوروبي بشكل دائم.

العقيدة التركية والرد العسكري

تركيا طرحت عقيدة “الوطن الأزرق” البحرية لتأكيد حقوقها السيادية في بحر إيجه وشرق المتوسط والبحر الأسود، وهو ما يعرقل خطط إسرائيل والغرب لربط الغاز الأوروبي.

وقد شمل الرد التركي نشر سفن حربية لمراقبة مشاريع أنابيب الغاز وتهديد أي مبادرات تتجاوز حدودها البحرية.

تحولات عسكرية استراتيجية: قبرص واليونان

تدريبات مشتركة ومناورات إسرائيلية–تركية وعمليات حماية المنصات البحرية أصبحت روتينية.

في تحول مهم، نشرت قبرص نظام الدفاع الجوي الإسرائيلي باراك إم إكس بمدى 400 كلم، ما يمكنها من إسقاط الطائرات التركية بدون طيار وفرض “فقاعة استراتيجية” على شرق المتوسط، في خطوة تؤكد إدماج إسرائيل في منظومة الأمن الغربي.

نهاية عقيدة بن غوريون: التحول من المحيطية إلى القوس الغربي

استراتيجية إسرائيل القديمة للتحالف مع دول غير عربية مثل إيران وإثيوبيا انتهت. اليوم، تركز إسرائيل على بناء محيط أمني صارم غرباً، تم اختباره خلال عملية الأسد الصاعد يونيو 2025، حيث تم نقل أسطولها المدني جواً إلى اليونان وقبرص لدعم عملياتها العسكرية دون كشف التنسيق.

الحافة الهندية المتوسطية: أداة الاحتواء الكبرى

قوس البحر الأبيض المتوسط أصبح جزءاً أساسياً من الممر البحري الهندي الأمريكي المصمم لمواجهة النفوذ الصيني. الهند، بمواجهة تحالف باكستان–تركيا، ترى في القوس وسيلة لتحقيق توازن استراتيجي. زيارات وزعماء مثل ناريندرا مودي إلى قبرص تعكس حرص أنقرة على مراقبة كل تحركات هذا التحالف.

ومع ذلك، لا يخلو القوس من نقاط ضعف، إذ تم تعليق مشاريع مثل الربط البحري الكبير بسبب مشكلات تمويلية وتقنية، بينما تهدد تركيا أي مبادرات تتجاوز حدودها البحرية بالقوة الصلبة.

لندن – اليوم ميديا

زر الذهاب إلى الأعلى