
من اللقاء
في لحظة دولية فارقة، عاد إعلان مراكش حول حقوق الأقليات الدينية ليشغل حيزًا مهمًا من النقاشات العالمية، خلال مؤتمر الاتحاد البرلماني الدولي المنعقد بمقر البرلمان الإيطالي في روما، حيث ألقى الشيخ المحفوظ بن بيه، الأمين العام لمنتدى أبوظبي للسلم، كلمة رئيسية أعادت تسليط الضوء على واحدة من أكثر الوثائق جرأة في صياغة علاقة الدين بالدولة في العالم الإسلامي المعاصر.
الكلمة جاءت ضمن جلسة حملت عنوان: “دروس من إعلان مراكش (2016): دعم حقوق الأقليات الدينية”، بتنظيم مشترك مع منظمة “أديان من أجل السلام”، وشبكة صانعي السلام الدينيين، وبدعم من منتدى أبوظبي للسلم، الذي يحتل موقعًا رياديًا في الترويج للعيش المشترك عالميًا.
بين المدينة ومراكش.. وثيقة تحيي روح النبوة
استعرض الشيخ المحفوظ بن بيه البعد التاريخي والإسلامي لإعلان مراكش، معتبرًا إياه امتدادًا لوثيقة المدينة المنورة، التي صاغها النبي محمد ﷺ كأول دستور مدني يكرّس حقوق المواطنة لجميع مكونات المجتمع.
“إعلان مراكش لحظة حضارية فارقة، تستند إلى نصوص صريحة من الشريعة، وتُعيد إحياء مبدأ المواطنة العادلة بين جميع المواطنين”، قال الشيخ بن بيه، مشددًا على أن الإعلان يُعد أول محاولة مؤسسية لإحياء هذا النموذج الإسلامي الإنساني.
تحالف بين الحكماء وصنّاع القرار
الشيخ بن بيه أكد أن قوة الإعلان لا تكمن فقط في مضامينه المتقدمة، بل في كونه ثمرة تعاون رفيع بين علماء دين وحكومات معتدلة، في مواجهة خطاب الكراهية والعنف الديني الذي شوّه صورة الإسلام في العقد الماضي.
وقد أشار إلى رسالة العاهل المغربي الملك محمد السادس خلال مؤتمر مراكش 2016، والتي اعتُبرت مرجعية سياسية وأخلاقية حين قال:
“لا يجوز توظيف الدين في تبرير أي نيل من حقوق الأقليات الدينية في البلدان الإسلامية.”
كما استشهد بكلمة رئيس المنتدى الشيخ عبد الله بن بيه، الذي أوضح أن الوثيقة “ليست فتوى فقهية، بل رؤية حضارية مستلهمة من المقاصد العليا للإسلام”، داعيًا إلى مقاربة جديدة تقوم على النصوص الإسلامية ومبادئ السلم والمواطنة.
من الإعلان إلى التشريع
في كلمته أمام ممثلي برلمانات العالم، دعا الشيخ بن بيه إلى "الانتقال من مستوى المبادئ إلى السياسات"، مطالبًا بتعاون ملموس بين البرلمانات والقيادات الدينية ومنظمات المجتمع المدني لتضمين هذه القيم في التشريعات الوطنية.
كما أشار إلى أن الإعلان أصبح مرجعًا تعتمد عليه مؤسسات حقوق الإنسان الدولية، في وقت تتزايد فيه الضغوط على الأقليات الدينية في عدد من الدول الإسلامية والغربية على السواء.
لحظة ضمير عالمي
قال بن بيه:
"حين ينهض القادة والعلماء سويًا، لا بدافع الخوف أو كرد فعل على حرب، بل من منطلق الإيمان بالكرامة الإنسانية، نكون أمام لحظة ضمير عالمي."
وقد أدار الجلسة محمد السنوسي، المفوض في اللجنة الأميركية للحريات الدينية الدولية، بمشاركة نخبة من البرلمانيين الدوليين من إندونيسيا وإثيوبيا والولايات المتحدة.
وفي ختام كلمته، أعرب الشيخ المحفوظ بن بيه عن أمله في أن يشكل هذا المؤتمر خطوة إضافية نحو تحالف عالمي من أجل الحرية الدينية والتعددية والسلام، قائلاً:
"العيش المشترك ليس ترفًا فكريًا، بل ضرورة إنسانية في هذا الزمن المتداخل، حيث يتوجب علينا أن نرتقي من التعايش إلى التعاون، ومن السلم إلى البناء المشترك."
وحدة التحليل الديني ومواجهة الإرهاب – لندن – اليوم ميديا