
من قمة الإعلام العربي 2024
✍️ محمد فال معاوية
في زمن تزداد فيه تعقيدات المشهد الإعلامي العالمي، وفي ظل تحولات جذرية في أدوات ونماذج صناعة الخبر، تبرز دبي اليوم كمنصة حيوية تُعيد تعريف قواعد اللعبة الإعلامية. هنا، في قلب الصحراء التي تحولت إلى واحة الحداثة والتقنية، تُكتب فصول جديدة من إعلام عربي يطمح لأن يكون أكثر استقلالية، تأثيرًا، ووعياً بدوره كصانع للرأي لا مجرد ناقل. القمة الإعلامية التي تنطلق في دبي ليست مجرد لقاء عابر، بل إعلان تحول استراتيجي يعلن أن الإعلام ما بعد الغرب بدأ فصله الأول.
الحدث ليس مجرد تجمع للنخبة، ولا مجرد منصّة استعراضية. إنه لحظة إعلان رمزية، بأن المايكروفون الذي طالما احتكره الغرب لم يعد وحيدًا في الساحة، وأن للإمارات – ومن ورائها دول عربية تطمح للتموقع إعلاميًا – صوتًا وخطابًا وشكلًا آخر للسرد.
لقد ظل الإعلام العربي لعقود حبيس ردود الفعل، يستهلك القوالب الغربية في التغطية والتحليل، ويغرف من سرديات الآخر بدل أن يصوغ روايته. اليوم، وفي ظل التحولات التكنولوجية والجيوسياسية، تطرح قمة دبي سؤالًا وجوديًا: من يملك السرد؟ من يصنع الرواية؟ ومن يحق له الحديث باسم “الحقائق” في عالم يتراجع فيه اليقين، وتتقدم فيه الخوارزميات؟
الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم لم يُخفِ، في كل المناسبات السابقة، قناعته بأن الإعلام ليس زينة الدولة، بل محرك من محركات قوتها الناعمة. في رؤيته، للإعلام وظيفة تتجاوز الخبر، نحو الإلهام، والتأثير، وصياغة التوازن بين الهوية والانفتاح.
الإعلام الغربي، الذي لطالما قدم نفسه حَكمًا على الأحداث، يجد نفسه اليوم مضطرًا لمراقبة صعود قوى إعلامية جديدة من خارج أسواره التقليدية. دبي – بما تمثله من نموذج تنموي وسياسي متماسك – تُفاجئ الغرب بقدرتها على إنتاج خطاب متماسك، مدعوم بالمنصات، بالكوادر، وبالمؤسسات.
لكن الغرب، كعادته، لا يسلّم بسهولة. فبين سطور بعض التغطيات الغربية للقمة، يظهر قلق مكتوم: هل الإعلام الذي يخرج من الخليج مستقل فعلًا؟ هل الحوكمة الإعلامية التي تجمع بين الانضباط المهني والقيادة السياسية قادرة على إنتاج نموذج قابل للتصدير؟ أم أن ما يحدث في دبي هو فقط إعادة إنتاج لصورة حديثة من الإعلام الرسمي، ولكن بوجه ناعم وتقنيات متقدمة؟
السؤال اليوم لم يعد: ما هي الحقيقة؟ بل: من يكتبها؟ ومن يُصدّقها؟ ومن يملك أدوات نشرها؟ في هذا السياق، تصبح القمة الإعلامية في دبي لحظة مفصلية. لا لأنها ستنهي هيمنة الغرب على الخطاب، ولكن لأنها تكسر احتكار السرد، وتطرح على الطاولة بدائل جديدة، قائمة على المهنية من جهة، وعلى الخصوصية الثقافية والسياسية من جهة أخرى.
وختاماً: قد لا تُحدث قمة دبي انقلابًا لحظيًا في بنية الإعلام العالمي، لكنها بكل تأكيد تُعلن أن زمن الصوت الواحد انتهى. وأن هناك شرقًا يتكلم، لا ليجادل الغرب، بل ليبني لنفسه حضورًا، وخطابًا، ومكانًا في خارطة التأثير الإعلامي العالمي.
في دبي، تُكتب فصول جديدة من إعلام ما بعد الغرب.. والسؤال: من سيتقن قراءتها؟