تلوث قابس يفجر تونس: هل يفلت قيس سعيد؟

تواجه الحكومة التونسية تصعيدًا غير مسبوق بعد اندلاع احتجاجات واسعة في العاصمة تونس، احتجاجًا على التلوث البيئي الحاد في مدينة قابس الناجم عن المجمع الكيميائي المملوك للدولة.

متظاهرون يحملون لافتات خلال مسيرة ،احتجاجا على أزمة بيئية حادة في مدينة قابس في تونس – رويترز

يأتي هذا الغضب الشعبي في ظل تزايد المخاطر الصحية على السكان، مع ارتفاع معدلات الأمراض التنفسية والسرطان، وتفشي تدهور الحياة البحرية والزراعة المحلية، ما يضع الرئيس قيس سعيد تحت اختبار حقيقي لمواجهة أزمة بيئية واجتماعية متصاعدة.

أضرار صحية خطيرة تهدد سكان قابس

يشير سكان قابس إلى ارتفاع معدلات الأمراض التنفسية، هشاشة العظام، والسرطان نتيجة الغازات السامة المنبعثة من مصانع الفوسفات الحكومية، والتي تُسكب آلاف الأطنان من النفايات في البحر يوميًا، بحسب رويترز.

وتفجرت أحدث موجة من الاحتجاجات في وقت سابق من هذا الشهر بعد معاناة عشرات التلاميذ من صعوبات في التنفس نتيجة الأبخرة السامة من مصنع يحوّل الفوسفات إلى حمض الفوسفوريك وأسمدة.

الشارع التونسي يندد بالقمع ويطالب بالإغلاق الدائم

تدفق عشرات الآلاف إلى الشوارع في قابس الأسبوع الماضي مطالبين بـ إغلاق الوحدات الملوثة. وفي العاصمة، حمل المحتجون لافتات وهتفوا بشعارات تضامنية مع سكان قابس، ونددوا برد السلطات الأمني، بما في ذلك القمع واعتقال الشباب النشطاء.

وقال هاني فرج، أحد المحتجين وعضو حملة “أوقفوا التلوث”: “الأمر بسيط، شعب قابس يريد أن يتنفس. الدولة يجب أن تغلق الوحدات الملوثة في المصنع. قابس تموت ببطء. لن نظل صامتين، سنصعد احتجاجاتنا السلمية.”

ضغوط اقتصادية وسياسية على الحكومة

تخشى الحكومة أن تؤدي الاحتجاجات في العاصمة إلى انتشار أكبر في مناطق أخرى من تونس، مما يزيد الضغوط على إدارة الرئيس قيس سعيد في وقت تواجه فيه البلاد صعوبات اقتصادية طويلة الأمد.

ووصف سعيد الوضع في قابس هذا الشهر بأنه “اغتيال بيئي”، ملقيًا باللوم على “الخيارات السياسية الإجرامية للحكومة السابقة”.

وفي محاولة لتهدئة الاحتجاجات، دعا الرئيس الوزارات إلى صيانة الوحدات الصناعية وإيقاف التسربات كخطوة فورية. وأعلن وزير الصحة، مصطفى الفرجاني، عن بناء مستشفى للسرطان في قابس للتعامل مع تزايد الحالات الصحية.

مطالب المحتجين وحلول مؤقتة لا ترضي الشارع

رغم الخطوات الحكومية، يرفض المحتجون الحلول المؤقتة، مطالبين بـ الإغلاق الدائم أو نقل المنشآت الملوثة، معتبرين أن الإجراءات الحالية غير كافية لحماية الصحة العامة والبيئة.

وحذرت منظمات بيئية من أن أطنانًا من النفايات الصناعية تُفرغ يوميًا في البحر عند شط السلام، مما يسبب أضرارًا جسيمة للحياة البحرية ويهدد مصدر رزق آلاف الصيادين المحليين، الذين يشيرون إلى انخفاض حاد في مخزونات الأسماك خلال العقد الماضي.

خلفية الأزمة البيئية في قابس

تعتبر مدينة قابس مركزًا صناعيًا لإنتاج الفوسفات منذ عقود، إلا أن التراكم البيئي وتقصير السلطات في مراقبة المصانع أدى إلى تلوث خطير للهواء والماء والتربة، ما تسبب في أزمات صحية واقتصادية مستمرة.

ويؤكد الخبراء أن استمرار الوضع الحالي يهدد الاستقرار الاجتماعي والاقتصادي للمنطقة، ويزيد من احتمالية توسع الاحتجاجات في مناطق أخرى من تونس، خاصة مع وجود إحباط شعبي متزايد تجاه الأداء الحكومي.

تجسد احتجاجات قابس تصعيدًا بيئيًا واجتماعيًا نادرًا في شمال إفريقيا، حيث يتقاطع الغضب الشعبي مع أزمة صحية وبيئية خطيرة، ويطرح تساؤلات حول قدرة الحكومة على إدارة الأزمة دون تفاقم الأزمة السياسية.

وتعد هذه الاحتجاجات اختبارًا حقيقيًا للرئيس قيس سعيد، الذي يواجه الآن تحديًا مزدوجًا: ضبط الأزمة البيئية وتحقيق مطالب الشارع، بينما تحاول حكومته إدارة الضغوط الاقتصادية والسياسية.

لندن – اليوم ميديا

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى