جمال محمد أحمد يعود: الأعمال الكاملة بين الأدب والتاريخ الإفريقي

في خضم الانقسام الاجتماعي والسياسي الذي يعصف بالسودان، ووسط محاولات الحفاظ على الإرث الثقافي المنهك، صدر المجلد الأول من الأعمال الكاملة للأديب والمفكر السوداني جمال محمد أحمد (1915-1986)، ضمن مشروع أطلقه الكاتب بشير أبو سن في أغسطس 2023 لنشر كل أعماله الفكرية، والكتب التي ترجمها، والدراسات والأوراق المنشورة باللغتين العربية والإنجليزية. ويهدف المشروع إلى إعادة تقديم التجارب الرائدة في المكتبة السودانية وإتاحة أبرز العناوين الأدبية والفكرية لجمهور جديد، ويتوقع أن يصل عدد الإصدارات إلى حوالي 13 مجلدًا وكتابًا مستقلًا.
يتتبع المجلد الأول مساهمات جمال محمد أحمد في دراسة الحركات الفكرية في إفريقيا، مع التأمل في الوضع الأدبي والاجتماعي للقارة، حيث أصبح مرجعًا في نقد الأدب الإفريقي والبحث في تاريخ إفريقيا القديم والمعاصر، والعلاقات العربية الإفريقية. ويضم المجلد أربعة كتب مترابطة: مطالعات في الشؤون الإفريقية (1969)، في المسرحية الإفريقية (1973)، وجدان إفريقيا (1974)، وعرب وأفارقة (1978). هذه المؤلفات تعكس اجتهاد جمال الفكري، وتقدم مزيجًا فريدًا من الأدب المقارن، علم الاجتماع، التاريخ المعاصر، الفكر السياسي ودراسات الهوية.
صدر الكتاب الأول عن دار الهلال بالقاهرة، ويضم مقالات ودراسات نُشرت سابقًا في مجلات عربية، أبرزها مجلة حوار، مع تركيز على تيار الزنجية والديمقراطية في إفريقيا. أما الكتاب الثاني، في المسرحية الإفريقية، فيدرس مسرحيات لثلاثة كتّاب أفارقة من إثيوبيا ونيجيريا والكاميرون، ويعكس عمق فكر جمال ونقده للأدب المعاصر.
ويعتبر الكتاب الثالث، وجدان إفريقيا، من أبرز أعماله، حيث درس دور الديانات والأيديولوجيات في الحياة الفكرية الإفريقية، من خلال تحليل النصوص الشعرية والقصصية لأهم الكتّاب، جامعًا بين النقد الأدبي والتاريخ وعلم الاجتماع، ليصبح مرجعًا مهمًا لفهم الفكر الإفريقي بعد الاستعمار.
أما الكتاب الرابع، عرب وأفارقة، فيوثق انعقاد الاجتماع الأول للآباء المؤسسين لمنظمة الوحدة الإفريقية في أديس أبابا عام 1963، ويعرض جمال لدوره كسفير السودان في إثيوبيا، مسلطًا الضوء على تاريخ الوحدة الإفريقية، الصراعات بين القادة، وأهمية الحدث في السياق العربي والإفريقي.
أعدّ النصوص وحرّرها وزوّدها بالحواشي بشير أبو سن، وراجعها عمر الصديق، مدير معهد العلامة عبد الله الطيب للغة العربية بجامعة الخرطوم. كما احتوى المجلد على صور ووثائق نادرة، وحواشٍ تعريفية وشروح لمفردات معجم جمال، بهدف تمكين القارئ من فهم أعمق لمضامين أعماله، خصوصًا أن جمال استخدم أسلوبًا لغويًا فريدًا وطرح مواضيع معقدة وغير مألوفة للقارئ العام.
ولد جمال محمد أحمد في قرية سرة شرق بحلفا شمال السودان عام 1915، وتخرج في كلية غردون التذكارية بالخرطوم، ثم واصل دراسته في جامعة إكستر ببريطانيا، وبعدها في أكسفورد حيث نال الماجستير في الآداب، وأعدّ أطروحته عن الفكر السياسي والاجتماعي في مصر بين 1900-1914. عمل في المجالات الأكاديمية والدبلوماسية، واستخدم الأدب الإفريقي كمدخل لنقد الاستعمار وقراءة الاتجاهات الفكرية في إفريقيا السوداء بعد الاستعمار.
صدر المجلد عن دار إفريقيا للنشر بالشارقة، ويعتبر خطوة محورية لإعادة تقديم جمال محمد أحمد لجمهور اليوم، ولتمكين الباحثين والمهتمين بتاريخ إفريقيا والأدب العربي الإفريقي من الوصول إلى إرث ثقافي غني، جمع بين النقد الأدبي والتحليل الاجتماعي والفكري.
لندن – اليوم ميديا