
جمال الكشكي
زيارة الرئيس الأميركي دونالد ترمب للخليج العربي تختلف عن زيارة أي رئيس أميركي سابق. فالتوقيت العالمي مزدحم بالحروب والصراعات، يُذكِّرنا بعشية اندلاع الحرب العالمية الثانية، ورغم أن الشرق الأوسط يعاني من حروب متعددة ومركَّبة، فإنه يعد المكان الحيوي والصالح لترتيب أوضاع المسرح العالمي، فهو عصب الطاقة والمال والموقع الحاكم، والانطلاق منه بمثابة جواز مرور للنظام الدولي المحتمل.
الرئيس ترمب يعي ذلك جيداً، فلديه مراكز تفكير خاصة به، لا تنتمي إلى مراكز التفكير الأميركية التقليدية، ويرى في الشرق الأوسط فرصة سانحة، وأرضاً بكراً، لتشكيل وتأكيد رؤيته: «لنجعل أميركا عظيمة مرة أخرى»، ولا توجد منطقة عالمية أخرى تمثل له زخماً مثلما الحال في الشرق الأوسط، وبهذا يبتعد ترمب خطوات شاسعة عن السياسة الأميركية النمطية التي كانت تَعدّ إسرائيل رأس حربة صالحة لأميركا في الشرق الأوسط.
ترمب يرى أن أصحاب الشرق الأوسط، الأكثرية، هم الرقم المهم للمصالح الأميركية الاستراتيجية المقبلة، وكان لافتاً أن يصرح السفير الأميركي لدى إسرائيل بأن أميركا لا تستأذن أحداً حين تقرر اتخاذ مواقف تصب في مصالحها، وكثيراً ما رأينا الرئيس ترمب يقُدم على اتخاذ خطوات لا تصب بالضرورة في مصالح رئيس الحكومة الإسرائيلية بنيامين نتنياهو؛ فمثلاً موقف ترمب من سوريا يختلف عن الموقف الإسرائيلي، وكذلك موقفه من الممرات البحرية والبحر الأحمر، وكذلك موقفه من المفاوضات غير المباشرة مع إيران، وكذلك موقفه من الزيارة التي خص بها المنطقة العربية بوصفها أول زيارة خارجية يقوم بها في ولايته الثانية، رغم الصراعات العميقة بين حليفته إسرائيل والمنطقة بالكامل.
حقيبة ترمب تحمل ملفات كثيرة، يتساوى فيها الضيف والمضيف، فلكل طرف مصالح عميقة في اللقاء عند نقطة واحدة، فأوراق ترمب تتعلق بمستقبل الطاقة التقليدية من بترول وغاز، ذلك المستقبل الذي يجب أن يكون مفهوماً في سياق مشروعه الأميركي الجديد. أيضاً ثمة أوراق أخرى مهمة تؤكد جعل الممرات البحرية آمنة في الخليج العربي، والبحر الأحمر، وبحر العرب، والمضايق مثل: باب المندب وهرمز، ومنع القوى المنافسة الأخرى من الدخول على الخط، وطمأنة حلفائه العرب بأن أميركا الجديدة ستقدم لهم تصورات سياسية مختلفة، تقوم على الشراكة الاقتصادية والعلمية، والاحترام المتبادل، فمثلاً هناك اتفاق استراتيجي بين واشنطن والرياض في مشاريع الطاقة السلمية.
لكنَّ مصالح العرب من هذه الشراكة تبدأ وتنتهي عند ضرورة وجود حل جذري وعادل في الأراضي الفلسطينية، والوصول إلى دولة فلسطينية حقيقية، يمكن أن تجعل أي اتفاقات أو اندماج لإسرائيل في المنطقة مقبولاً، وبغير ذلك تصبح كل هذه الشراكات منقوصة، وتدور في حلقة مفرغة.
وترمب لا يرغب في الشراكات المنقوصة، فهو يرفع المصالح الأميركية العليا فوق أي اعتبار، حتى لو تعلَّق الأمر بإسرائيل، فضلاً عن أنه يريد تأكيد أنه رجل السلام، ويسعى للفوز بجائزة نوبل للسلام.
في السياق ذاته، فإن الأوراق العربية قوية، ولا بد من استخدامها ببراعة، فلدى ترمب حاجة ماسة إلى تحقيق رؤية أميركية تختلف عن أي رؤية سابقة، فهو بالفعل يغادر نتائج الحرب العالمية الثانية، ويحاول طمس آثارها، وبناء ملامح أميركية جديدة، يتخلص فيها من أعباء حلف الناتو، وحماية الاتحاد الأوروبي، والتورط في حروب الإخوة السلاف (روسيا وأوكرانيا) أو جنوب آسيا أو شرق آسيا، أو حتى دعم إسرائيل بلا حدود.
إزاء رغبة وأولوية ترمب في الشرق الأوسط، لما يمثله من جسر للوصول إلى تحقيق أحلامه، وسط موجات من الصراع على النفوذ، فإن الفرصة مواتية أمام العرب لوضع تصور شامل، وصياغة رؤية موحدة، لاستقرار الإقليم بالكامل، ووضع حد للحروب التي تنشأ بسبب وجود أكثر من رؤية في دول الإقليم العربي من جانب، وبسبب المطامح والمطامع الإسرائيلية المتطرفة التي تريد رسم خريطة تسيطر من خلالها على الشرق الأوسط، من جانب آخر.
إن زيارة ترمب تمثل نقطة التقاء المصالح، ومن الفطنة السياسية تحويل هذه الزيارة إلى مشروع سياسي واستراتيجي، يقوم على قدم المساواة بين القوة الأميركية العظمى وبين أرض الحضارات والأديان.
ومن دون اعتدال في كفتَي الميزان ستظل الحسابات مختلَّة.

تابع آخر الأخبار العاجلة، التحليلات العميقة، وكل ما يحدث حول العالم لحظة بلحظة

عبد الرحمن الراشد أحدثت حربُ السَّنتين التي أدارها نتنياهو تغيراتٍ مهمةً على الصَّعيد الجيوسياسي وتوازناتِ القوى في منطقة الشرق الأوسط. تبنَّت إسرائيلُ بعد هجمات أكتوبر 2023 سياسةً مختلفة، من الاشتباكِ مع وكلاءِ إيرانَ إلى سياسة القضاء عليهم. تتوازنُ في المنطقة ثلاثُ قوى إقليميةٍ لكلٍّ منهَا نفوذُها ومجالُها الأمني. إسرائيل في طورِ التَّحول إلى لاعبٍ إقليميّ [...]

أحمد الدريني من ينظر إلى خريطة الإقليم سيدرك أن الوضع لم يعد مجرد أزمات عابرة، لكل واحدة منها تعاط خاص على حدة. بل باتت الخريطة موزعة بين دول مأزومة بحروب خارجية أو اقتتالات أهلية أو مهددة بأشباح انقسام، أو في سبيلها بالفعل للاجتزاء والانتقاص من مساحتها وسيادتها وحدودها. نحن نتحدث عن إقليم كامل، لكل دولة [...]

نايف الدندني – خبير إستراتيجي في شؤون الطاقة في عالم الطاقة، لطالما كان الخلاف بين وكالة الطاقة الدولية IEA ومنظمة البلدان المصدرة للنفط أوبك أحد أبرز التوترات الفكرية والسياسية. الوكالة التي تُمثل مصالح الدول المستهلكة الكبرى وخاصة الغربية، كانت منذ سنوات تُروّج لفكرة أن ذروة الطلب العالمي على النفط باتت وشيكة، بل وأصبحت في بعض [...]

غسان شربل قالَ السياسيُّ العربيُّ إنَّه يشعر بالاستفزاز كلّما قرأ عن الذكاء الاصطناعي والتغييرِ المذهل الذي سيُدخلُه في حياة الدول والأفراد. والاستفزاز ليس وليدَ شعور بالصدمةِ من تغيير هائلٍ يقترب ولن يتمكَّنَ أحدٌ من البقاء خارجه. سيتغير الاقتصادُ وستتغير العلومُ وأساليبُ العملِ والحياة. الاستفزازُ هو نتيجة الفارق المريع بين العالمِ المنخرط في صناعة هذا التَّغيير [...]

عبد الرحمن الراشد باتَ معروفاً أنَّ لِلرئيس الأميركي دونالد ترمب علاقةً متميّزةً معَ وليّ العهدِ السعودي الأمير محمد بن سلمان، وهما يجدّدان اللقاءَ الآن في واشنطن. بينَ رحلتين قامَ بهما للرياض، الأولى في عام 2017 والثانية قبل 6 أشهر. خلالَ هاتين الزيارتين وفي 8 سنوات دارت أحداثٌ كبرى غيَّرت في المنطقة والعالم، وطرحت تصوراتٍ جديدةً، [...]

موسى مهدي تأتي الأحداث الأخيرة في مدينة الفاشر لتكشف الكثير عن مستقبل مليشيا الدعم السريع في إقليم دارفور. بعد هزائمها المتتالية في ولايات الوسط والشرق من السودان، وتحملها خسائر كبيرة، تركز المليشيا الآن على دارفور في محاولة للسيطرة على كامل الإقليم، مستغلة ما لديها من قوة محلية وجنود مرتزقة. الفاشر.. صمود المدينة وفضائح المليشيا ما [...]