
محمد فال معاوية
في زمنٍ لم تعد فيه القرارات تُعلَن عبر البيانات الرسمية، بل تتسرّب همسًا عبر منصات التواصل، تتردد في أروقة الدبلوماسية العربية مشاورات غير معلنة لاختيار أمين عام جديد لجامعة الدول العربية.
لم يصدر بعد ما يؤكّد هذه التحركات، لكن ما يتسرب من الكواليس كافٍ لإثارة الجدل حول منصب ظل حكرًا على دولة واحدة لعقود، وحان الوقت لإعادة النظر في طريقة إدارته، وربما في من يتولاه.
التسريبات تتحدث عن توافق أولي بين عدد من العواصم العربية على ضرورة إنهاء احتكار مصر للمنصب، وطرح أسماء من منطقة الخليج، وتحديدًا من الإمارات، حيث يبرز اسم دبلوماسي مخضرم يحظى بثقة واسعة وخبرة طويلة في العمل المتعدد الأطراف.
منذ تأسيس الجامعة عام 1945، بقيت القاهرة مقرها، ومصر صاحبة الكلمة الفصل في اختيار أمنائها، باستثناء محطات قصيرة في تونس والمغرب.
لكن الخارطة الجيوسياسية العربية تغيّرت. فالدور القيادي لم يعد حكرًا على الدول التقليدية، بل بات موزعًا بين محاور جديدة، تلعب فيها دول الخليج، وعلى رأسها الإمارات والسعودية وقطر، أدوارًا متقدمة ومؤثرة.
الإمارات تحديدًا، رسّخت خلال العقدين الأخيرين مكانتها كقوة دبلوماسية هادئة وفعالة. أدارت وساطات، قادت مفاوضات، واستضافت قممًا عالمية عززت حضورها الإقليمي والدولي. في كل ملفٍ شائك، من ليبيا إلى السودان، ومن اليمن إلى غزة، كان لدبلوماسية أبوظبي دور ملموس. فهل آن أوان أن تنعكس هذه المكانة في قيادة الجامعة؟
ترشيح دبلوماسي إماراتي لمنصب الأمين العام ليس مجرّد مجاملة لدولة صاعدة، بل انعكاس لواقع عربي جديد. الإمارات لا تطرح نفسها بديلًا رمزيًا، بل تقدم سيرة دبلوماسية متكاملة، ومؤسسات تمتلك الخبرة في إدارة العلاقات الدولية، والتفاوض، وإيجاد حلول وسط في بيئات شديدة التعقيد.
في زمن الأزمات المتشابكة، تحتاج الجامعة إلى شخصية تجمع بين الشرعية العربية والقدرة على الفعل والتأثير، لا إلى واجهة بروتوكولية تُلقي الخطب في القمم ثم تغيب. وفي هذا الإطار، يبدو الخيار الإماراتي منطقيًا، بل ضروريًا.
منذ أحمد الشقيري وحتى أحمد أبو الغيط، شغِل المنصب منطق التوازن أكثر من منطق الفاعلية. تحولت الجامعة إلى كيان يُدير الخلافات، لا يحلها، وإلى مؤسسة تعاني من الترهل الإداري والعجز السياسي.
الواقع العربي اليوم يفرض تحوّلًا جذريًا، يبدأ من إعادة تعريف دور الجامعة، ويمرّ عبر تدوير المناصب القيادية، وصولًا إلى بناء رؤية جماعية أكثر عقلانية وفعالية.
تدوير الأمانة العامة لا يُقصي أحدًا، بل يُشرك الجميع. ويمنح الجامعة فرصة لالتقاط أنفاسها، وتجديد آلياتها، والانفتاح على كفاءات عربية ظلت خارج اللعبة بحكم الجغرافيا أو الحسابات الضيقة.
نقل الأمانة العامة إلى أبوظبي سيكون تحوّلًا رمزيًا ورسالة قوية بأن العالم العربي بدأ يتجاوز توازناته القديمة، ويعترف بمراكز القوة الجديدة فيه. لكن الأهم من ذلك، أنه قد يشكل بدايةً لجامعة أكثر توازنًا وواقعية، قادرة على الاستجابة للتحديات بدل الاكتفاء برصدها.
الإمارات لا تسعى لفرض نفوذ، بل تقدم نموذجًا يُراكم القوة بهدوء، ويستثمر في المستقبل لا في الماضي. وإذا ما اختيرت شخصية إماراتية وازنة لتولي المنصب، فقد يكون ذلك بداية فصل جديد في تاريخ الجامعة العربية، فصلٌ لا يقوده التاريخ، بل تقوده الكفاءة.

جمعة بوكليب بمرور الوقت، تعوّدنا نحن البشر لدى نهاية عام وبدء آخر، على ألا تأتي الرياح بما تشتهي قلوبنا من أمنيات. لا أحد يلوم الرياح على خذلانها لنا، أو يجبرها قسراً على تغيير اتجاهها بما يتفق واتجاه مراكب أمانينا. وإذا صدّقنا المؤرخ اليوناني هيرودوتوس، فإنَّ الليبيين من دون شعوب الأرض قاطبة، هم من تجرأ على [...]

مشاري الذايدي نحن على مقربة من توديع العام الحالي 2025 واستقبال لاحقه 2026، وما زال رهان بعض الناس والجهات على اضمحلال خطر الإرهاب الأصولي، ومن – وما – يرفد هذا العقل الإرهابي، من فكرٍ ومُقدّمات سابقة… ما زال رهان البعض على اضمحلال كل ذلك من قَبيل التفكير الرغبوي، أو الكسل البحثي، أو البلادة الرقابية، أو [...]

غسان شربل لم تعدِ الحروب تدور على مسارحها المباشرة فقط. منحتها وسائل التواصل فرصة التسلل إلى أماكن بعيدة. يكفي أن يلتفت شخص إلى هاتفه في قارة بعيدة ليتابع مجريات مجزرة تدور على بعد آلاف الكيلومترات. ولم تعد الكراهيات أسيرة منابع تفجرها الأصلية. يمكنها الانتقال سريعًا إلى من هو مستعد لتلقيها في أماكن قصية. وهكذا بات [...]

سمير عطا الله يقول الكاتب الكويتي سعد بن طفلة العجمي إن الكتّاب العرب امتهنوا انتقاد الخليج والخليجيين، بمناسبة أو من دونها، وبسبب أو من دونه. واستمرت الظاهرة فترة طويلة. وانقسم المنخرطون فيها إلى فئات: الاستعلائيون الذين رأوا في الخليجيين «حديثي نعمة» وأثرياء النفط. واليسار القومي الذي رأى في البحبوحة عقبة كبرى في وجه تحرير فلسطين [...]

مارك ماكغيروفسكي تصوّر إدارة ترامب أوروبا على أنها ضعيفة ومشلولة وتواجه محواً حضارياً، ويبدو أنه يمكن الاستغناء عنها من منظور استراتيجية الأمن القومي الأمريكي؟ لا شك أن الرئيس ترامب يحب القادة الأقوياء. وكثيرًا ما يُخيّل إليه أن هذا هو المعيار الوحيد الذي يطبقه على رؤساء الدول الأجنبية عند تقييم مكانتهم السياسية وفائدتهم في تحقيق الأهداف [...]

غسان شربل ليس صحيحاً أن الغياب يعفي من العذاب. القبر لا يحصن الحاكم من أعاصير بلاده. يمكن لجثته أن تتعرض لطعنات كثيرة؛ للشماتة، والسخرية، والإذلال، وفيض الكراهيات. ويمكن أن يصاب القبر بالذعر، وبالإحراج، وبالخوف، وأن يحاول الهرب كمرتكب يبحث عن مخبأ للنجاة من غضب الناس ومحكمة التاريخ. هذا حدث قبل عام. تردد مدير مكتبه «أبو [...]