اختبار التحالفات: واشنطن بين الدوحة وتل أبيب

محمد فال معاوية
الهجوم الإسرائيلي الأخير على الدوحة، الذي استهدف قيادات من حركة حماس، لم يكن مجرد عملية عسكرية محدودة؛ بل شكّل منعطفًا سياسيًا يعيد طرح أسئلة جوهرية حول طبيعة التحالفات في الشرق الأوسط ودور الولايات المتحدة بين حلفائها، في لحظة تختلط فيها الأمن بالدبلوماسية والمصالح الاستراتيجية.
منذ اللحظة الأولى، لم يُقرأ الهجوم في سياق قطر وحدها، بل في إطار أوسع يتعلق بمعادلة الردع والتوازن في المنطقة. قطر، بوصفها حليفًا وثيقًا لواشنطن ووسيطًا رئيسيًا في ملفات معقدة كغزة وأفغانستان، بدت فجأة مكشوفة أمام ضربة إسرائيلية، رغم وجود قواعد أمريكية على أراضيها. هذا المشهد أثار جدلًا واسعًا حول مدى جدّية واشنطن في حماية شركائها، خصوصًا حين يأتي التهديد من أقرب حلفائها في المنطقة.
التوازن الصعب في السياسة الأميركية
تواجه الإدارة الأمريكية اليوم معضلة مزدوجة: الحفاظ على التزامها التاريخي بأمن إسرائيل، وفي الوقت ذاته حماية صدقيتها أمام شركائها العرب. بيانات البيت الأبيض التي دانت القصف بوصفه «عملاً أحاديًا» لم تُخفِ حقيقة أن واشنطن فشلت في منع العملية، رغم علمها بتحضيراتها بحسب تقارير إعلامية. هذه الثغرة، سواء نتجت عن تراخٍ دبلوماسي أو عن حسابات سياسية داخلية، تهدد صورة الولايات المتحدة كضامن أساسي للاستقرار في الخليج.
قطر ورسائل جديدة للخليج
بالنسبة للدوحة، لم يكن الهجوم مجرد تحدٍّ لأمنها، بل امتحانًا لدورها كوسيط محوري في النزاعات. تصريحات رئيس الوزراء القطري، الذي وصف الغارات بأنها «إرهاب دولة» وألمح إلى مراجعة دور بلاده في الوساطات، توحي بأن قطر تعيد تقييم ثمن موقعها في المعادلات الإقليمية، خصوصًا عندما لا يقترن ذلك بضمانات حقيقية من حلفائها.
الرسالة لم تتوقف عند قطر؛ بل وصلت أيضًا إلى عواصم خليجية أخرى تعتمد على المظلة الأمنية الأمريكية. الهجوم أظهر أن هذه المظلة ليست دائمًا كافية إذا تصادمت أولويات واشنطن أو تل أبيب مع المصالح المحلية.
ما بعد الصدمة: خيارات واشنطن
أمام الإدارة الأمريكية الآن مساران متوازيان:
- إعادة ضبط علاقتها مع إسرائيل عبر وضع خطوط حمراء واضحة تمنع توسيع رقعة الصراع إلى أراضي حلفاء واشنطن.
- تعزيز الشراكات مع دول الخليج، ليس فقط عبر القواعد العسكرية، بل من خلال تفاهمات أمنية ملزمة تحترم سيادة هذه الدول وتضمن عدم تكرار سيناريو الدوحة.
هذا التوجه يتطلب شجاعة سياسية في واشنطن، خصوصًا في مواجهة الضغوط الداخلية المؤيدة لإسرائيل بلا شروط. أي تردد سيقوض مكانة الولايات المتحدة كوسيط نزيه ويتيح لقوى إقليمية مثل إيران وتركيا فرصة لملء الفراغ.
تحالفات تتغير وحقائق جديدة
الهجوم على الدوحة جاء في وقت تشهد فيه المنطقة تحولات أعمق: تقارب خليجي–إيراني، عودة تركيا إلى أدوار الوساطة، وتراجع الثقة العربية في التزامات القوى الكبرى. كل ذلك يجعل من الصعب الاستمرار في الاعتماد على «معادلة الحرب الباردة» بين واشنطن وحلفائها العرب من جهة، وإسرائيل من جهة أخرى.
اليوم، تحتاج الدول العربية وواشنطن إلى هندسة تحالفات أكثر مرونة، تعطي الأولوية لآليات ردع إقليمية وتوازنات تحترم سيادة الجميع.
درس الدوحة وتحولات التحالفات
هجوم الدوحة ليس مجرد حادث أمني عابر، بل محطة كاشفة لحدود النفوذ الأمريكي وعمق الانقسام داخل تحالفاته. إذا أرادت واشنطن الحفاظ على صورتها كقوة ضامنة، فعليها الموازنة بين التزامها التاريخي تجاه إسرائيل وواجبها في صون أمن شركائها الآخرين.
أما العواصم العربية، فعليها أن تدرك أن حماية سيادتها لا يمكن أن تُختزل في قواعد أجنبية، بل تتطلب منظومات ردع وتفاهمات جماعية تعيد تعريف الأمن الإقليمي بعيدًا عن الحسابات الضيقة.
الدوحة، بهذا المعنى، لم تكن فقط ساحة صراع جديدة، بل جرس إنذار يدعو جميع الأطراف إلى مراجعة حساباتهم قبل أن يتسع الشرخ بين الشعارات والحقائق على الأرض.