صراع أنقرة وتل أبيب يشتعل.. هل تندلع مواجهة عسكرية في سوريا؟

لطالما اشتهر الرئيس التركي رجب طيب أردوغان بخطابه الحاد تجاه إسرائيل. منذ أن كان رئيساً لوزراء تركيا، لم يتردد في انتقاد سياسات تل أبيب علناً، ويعد أبرز مثال على ذلك انسحابه الغاضب من المنتدى الاقتصادي العالمي في دافوس عام 2009 بعد سجال متوتر مع الرئيس الإسرائيلي آنذاك شمعون بيريز، منتقداً المجازر الإسرائيلية ضد الفلسطينيين خلال عملية “الرصاص المصبوب” (2008/2009).

ومع الحرب الإسرائيلية الأخيرة على غزة في أكتوبر 2023، وصف أردوغان الجرائم الإسرائيلية بأنها “إبادة جماعية”، في انسجام مع تقارير منظمة العفو الدولية وهيومن رايتس ووتش.

مصالح تركيا الثلاثة في سوريا بعد الأسد

  1. الاستقرار وإعادة اللاجئين
    تركيا تسعى لإعادة أكثر من 3 ملايين لاجئ سوري يقيمون على أراضيها، وهو هدف يتحقق فقط عبر استقرار سياسي واجتماعي في سوريا وحكومة قادرة على إدارة الأمن والحياة اليومية.
  2. إنهاء التهديد الكردي
    ترى أنقرة أن حزب العمال الكردستاني وامتداداته، مثل وحدات حماية الشعب، يشكلون تهديداً لأمنها القومي، وتعارض أي مشروع انفصالي أو حكم ذاتي شمال شرق سوريا.
  3. المصالح الاقتصادية وإعادة الإعمار
    تركيا تسعى لإحياء التجارة مع سوريا كسوق واعدة وممر نحو الخليج، كما تسعى شركاتها، خاصة في قطاع البناء، للفوز بعقود إعادة إعمار تقدر قيمتها بتريليون دولار.

الاتفاق مع قوات سوريا الديمقراطية: مكسب لأنقرة

الاتفاق المعلن في 10 مارس بين قوات سوريا الديمقراطية ودمشق لدمج المؤسسات العسكرية والمدنية مع الدولة المركزية، قلل من المخاوف التركية. هذا الدمج يقلص نفوذ الفصائل الكردية ويعزز وحدة سوريا، بما يتوافق مع أهداف أنقرة في تحقيق استقرار سياسي وأمني.

أردوغان ولغة المواجهة مع إسرائيل

على مدى أكثر من عقد، اتسم خطاب أردوغان بالحدة تجاه إسرائيل، من انسحابه الغاضب في دافوس 2009 إلى إدانته الصريحة “لإبادة غزة” في حرب أكتوبر 2023. كما دعا مراراً الدول الإسلامية لتشكيل تحالف لمواجهة “الغطرسة الإسرائيلية”، خصوصاً بعد مقتل مواطنة تركية أمريكية على يد الجيش الإسرائيلي في الضفة الغربية.

إسرائيل تريد سوريا ضعيفة ومقسمة

على النقيض من أنقرة، ترى تل أبيب أن مصالحها تكمن في إبقاء سوريا ضعيفة ومجزأة. فاستراتيجية الأمن الإسرائيلي تقوم على تفكيك الدول المجاورة إلى كيانات صغيرة متناحرة، ما يسهل توسيع النفوذ الجغرافي واستغلال الفوضى لمصلحتها.

ذريعة حماية الدروز

قامت إسرائيل بتبرير تدخلها في سوريا بذريعة حماية الأقلية الدرزية، إلا أن الخبراء يرون أن الهدف الحقيقي هو مواجهة النفوذ التركي المتصاعد في سوريا الجديدة.

قصف دمشق بعد سقوط الأسد

بعد سقوط الأسد في ديسمبر الماضي، بدأ الجيش الإسرائيلي قصف دمشق وأجزاء أخرى من سوريا للسيطرة على الأراضي ومنع سوريا الموحدة من الظهور كتهديد محتمل لإسرائيل.

الخلاف التركي-الإسرائيلي: صراع استراتيجي طويل الأمد

تصاعد الاحتكاك بين أنقرة وتل أبيب في سوريا لا يُنظر إليه كخلاف تكتيكي عابر، بل كصراع استراتيجي. تركيا تسعى لدولة سورية موحدة ومستقرة، بينما تعمل إسرائيل على إبقائها مفككة وضعيفة. تقرير لمركز “ألما” الإسرائيلي حذر من أن سوريا تحت النفوذ التركي قد تشكل تهديداً أكبر لإسرائيل مقارنة بسوريا المتحالفة مع إيران سابقاً، خصوصاً إذا نشأت قوة سنية راديكالية برعاية أنقرة.

الطموحات العثمانية والهاجس الإسرائيلي

تشير التقارير الإسرائيلية إلى مخاوف من أن تصبح سوريا وكيلًا لتركيا، ما يعيد شبح “الإمبراطورية العثمانية”. كما حذرت من أن صواريخ تركيا بعيدة المدى وطائراتها المسيّرة قد تمثل تهديداً مباشراً لإسرائيل، بينما الأخطر هو دعم تركيا لوكلاء سنة يستهدفون إسرائيل بطريقة مشابهة لتدخلات إيران مع الجماعات الشيعية.

مستقبل سوريا بين أنقرة وتل أبيب

تركيا تسعى لرفع العقوبات الغربية والانخراط في إعادة إعمار سوريا، بينما تعمل إسرائيل على منع ذلك. هذا التناقض يجعل سوريا ساحة صراع نفوذ مباشر بين أنقرة وتل أبيب، وقد يحدد مستقبل الشرق الأوسط لعقود قادمة.

لندن – اليوم ميديا

زر الذهاب إلى الأعلى