تركيا بين بكين وبروكسل: خسرت دورها في أكبر مشروع صيني

على الرغم من موقعها الجغرافي الحيوي ودعمها المبكر لمبادرة الحزام والطريق الصينية، تجد تركيا نفسها اليوم مهمشة عن استثمارات كبرى تُعيد تشكيل ملامح الاقتصاد العالمي. التقرير التالي يكشف أبعاد الأزمة بين الخطاب السياسي في أنقرة والواقع الاقتصادي، ويستعرض أسباب تراجع الثقة الصينية وتبعات ارتباط تركيا بالغرب.
تحالفات معلقة بين الشرق والغرب
عندما طرح زعيم حزب الحركة القومية دولت بهجلي فكرة “تحالف لجنة الحقيقة والمصالحة” بين تركيا وروسيا والصين، رُفض المقترح سريعًا من الرئيس أردوغان، الذي كان في واشنطن للقاء دونالد ترامب. هذا التباين يعكس نمطًا متكررًا في السياسة التركية، حيث تلوّح أنقرة بالتحول شرقًا أو بالانضمام إلى بريكس، لكنها سرعان ما تعود لمسارها الغربي المرتبط بعضوية الناتو.
الجغرافيا التركية: ممر استراتيجي غير مستغل
تحتل تركيا موقعًا استراتيجيًا على “الممر الأوسط” لمبادرة الصين، وقد دعمت المشروع منذ بدايته بتوقيع اتفاقيات استراتيجية ومشاريع لوجستية كبرى مثل سكة حديد باكو–تبليسي–كارس وممر قطار الشحن بين إسطنبول وشيان. ورغم ذلك، فإن الزخم سرعان ما تراجع بعد 2019، ليتوقف عمليًا بحلول 2023.
توقف الاستثمارات الصينية: الاقتصاد هو العائق
وفق مركز سياسات التنمية العالمية، لم تسجل تركيا أي استثمارات جديدة مرتبطة بالمبادرة منذ 2023، بينما تجاوزت الاستثمارات العالمية للحزام والطريق 1.3 تريليون دولار في 2025. ضعف الاقتصاد الكلي التركي، وتضخم تجاوز 50%، وتدهور الليرة، كلها عوامل قوضت ثقة المستثمرين وأبعدت أنقرة عن خريطة رأس المال العالمي.
مشاريع غير مكتملة ووعود مؤجلة
مشروع سكة حديد أدرنة–كارس، الذي كان يُنظر إليه كحلقة رئيسية في الممر الأوسط، لم يرَ النور رغم وعود متكررة وقروض صينية مطروحة. وبحسب خبراء، فإن العراقيل اقتصادية وليست سياسية، لكنها كشفت هشاشة القدرة التنفيذية التركية.
أزمة الثقة السياسية: عقدة الأويغور والناتو
من جهة أخرى، ترى بكين أن أنقرة لم تفِ بوعودها بشأن تحجيم أنشطة منظمات تركستان الشرقية، ما اعتبرته الصين تهديدًا أمنيًا مباشرًا. كما يُلقي انخراط تركيا في الناتو بظلال من الشك حول استقلال قرارها الإستراتيجي، ما يعمّق فجوة الثقة بين البلدين.
تناقضات السياسة الخارجية: بين الغرب وآسيا
رغم الخطاب المتكرر عن “التوجه نحو آسيا”، لا تزال أنقرة أسيرة تبعيتها للغرب بحكم عضويتها في الناتو وسعيها المستمر نحو الاتحاد الأوروبي. هذا التردد يضعف فرصها في التحالف مع تكتلات كبرى مثل بريكس ومنظمة شنغهاي، ويجعلها شريكًا غير موثوق به في نظر بكين.
مستقبل غامض في عالم متعدد الأقطاب
في ظل التحولات الجيوسياسية الراهنة، يرى مراقبون أن الصين ستعيد رسم استراتيجيتها لتتناسب مع نظام عالمي متعدد الأقطاب، فيما ستظل تركيا مهمشة ما لم تستطع فك ارتباطها بالغرب وبناء ثقة مستدامة مع شركائها الشرقيين.تركيا تقف اليوم عند مفترق طرق حقيقي: إما أن تواصل تبعيتها للتحالفات الغربية وتبقى خارج المشاريع الاستثمارية العملاقة، أو أن تفتح صفحة جديدة مع الشرق وتستعيد موقعها كممر حيوي بين القارات. وحتى ذلك الحين، ستظل أنقرة شريكًا مترددًا وغير متوقع في نظر بكين.
لندن – اليوم ميديا