
على مسافة 3 أسابيع من موعد 9 يناير (كانون الثاني) لانتخاب رئيس للجمهورية ينهي شغوراً رئاسياً مضى عليه 26 شهراً، لم تحسم الأمور بعد، وهناك احتمال بأن تكون الجلسة موعداً لغربلة أسماء وحرقها بانتظار بدء ولاية الرئيس الأميركي دونالد ترمب الثانية. يشي التعاطي العام بأن الزلزال السوري لم تصل مفاعيله بعد إلى التركيبة المتسلطة، وقبله ومعه الزلزال اللبناني نتيجة أخذ «حزب الله» لبنان إلى حربٍ دمرته، فتستمر محاولات القفز فوق التداعيات، ليتظهر المشترك بين أطراف نظام المحاصصة الطائفي، ومنظومة النيترات والتبعية، وسعي حثيث لـ«توافق» على شخصية رمادية تريد كل جهة رجحان حصتها بـ«الشخص» و«الرئاسة».
كشف المسار الرئاسي اللبناني بعد اتفاق الطائف، أن ما كان يقال في الرئاسات أنها تتم تحت عنوان إنقاذ الدولة كان وهماً. فالبلد الذي وقع في قبضة تحالف ميليشيا الحرب والمال، جعل الدولة ركاماً وأنقاضاً. ابتزوا المواطنين بعنوان الحفاظ على «السلم الأهلي»، ليسلطوا أزلامهم على الوزارات والمؤسسات والإدارات كما على الحدود والثغور، فعاثوا فساداً وتلوثاً وإفقاراً مبرمجاً وتجويعاً واستعباداً. كان ميشال شيحا يقول: «تربوا على أن سرقة الدولة شطارة»، ولم يتوقع شيحا الرؤيوي سطوهم على جيوب الناس وجني أعمارهم، إنما حذّر من الوقوع في «خطأ مطالبتهم بحمل همّ المصلحة العامة». المزري أنهم المتلطون خلف «الحصانات» و«قانون الإفلات من العقاب»، سيختارون للبنانيين رئيساً يؤمن لهم مصالحهم الضيقة، وما على المواطن الذي لم يُحترم صوته في صندوق الاقتراع إلا الرضوخ والانصياع!
وكدلالة على ما بلغه التعاطي الهزلي مع موقع مفترض أنه بوصلة للنهوض أو استمرار الاندثار، أن سليمان فرنجية الذي انطوت حظوظه بعدما كان مرشحاً مدللاً للثنائي حسن نصر الله وبشار الأسد، سخر من سلة أسماء مطروحة حملها موفد من رئيس البرلمان بقوله: «لماذا تريدون انتخاب موظفٍ يخضع لزعماء سياسيين»؟ ويضيف: «تريدون واجهة لطرفٍ ويتكرر مشهد رئيس الظل»! ولئن كان مفهوماً أن الرئيس بري مهندس سياسة الشغور في الرئاسة التي بلغت نحو 5 سنوات منذ عام 2008، يدرك أن المشروع الإيراني للمنطقة يتلاشى، فيريد من الرئاسة «حصانة» لمكتسبات أعوام مديدة من استئثار الثنائي «حزب الله» و«أمل» بالبلد: قرار حربه وسلمه، وسياسته واقتصاده ونقده خصوصاً، فإنه ينبغي الإقرار بأن الطروحات النقيضة لا تخرج على مبدأ استبدال استئثارٍ بآخر. ذلك أن «الخلافات» الظاهرة بين هذه الأطراف لا تطمس التماهي بين «معارضة» النظام و«موالاته» ضد مصالح الأكثرية الشعبية الساحقة.
أكدت السنوات القليلة المنصرمة، على محورية مركز الرئاسة وشاغل المنصب، لجهة الصلاحية والدور المطلوب. وأثبتت الانهيارات المالية والاقتصادية والاجتماعية المبرمجة، كما تداعيات حرب «المشاغلة» و«الإسناد» إلى الزلزال السوري، أنه متاح الولوج إلى مناخٍ تغييري لاستعادة الحدود إلى كنف الشرعية، وبسط السيادة غير المنقوصة، واحتكار القوة بيد القوى الشرعية. إن مدخل انتشال لبنان وأهله وبدء التعافي، يتطلب قيادة سياسية قادرة من خارج «المنظومة» التي أفسدت واستتبعت البلاد. والمنطلق شخصية محترمة في الرئاسة، ماضيها ناصع توحي بالثقة، لم تتلطخ بالفساد، محررة من الضغوط، تؤمن بالدستور وبالدولة التي تحمي الجميع وتصون الحقوق وتحفظ غنى التنوع والحريات.
المرحلة الانتقالية الخطيرة تشمل المنطقة، وتفترض لبنانياً تغييراً جذرياً لكسر الحلقة الجهنمية بعدما انكشف حجم اللصوصية والتبعية والارتهان والإصرار على حجب الحقيقة ومنع الحساب لدى قوى «التوافق» الطائفي ونظام الرشوة. فمطلب قيام الدولة الطبيعية، بديلاً عن الدولة المزرعة وما أفضت إليه من نكبات، لا يتحقق مع القوى إياها التي صنّعها النظام الأسدي وتشاركت لاحقاً السلطة مع «حزب الله» وغطت تغوله. ما يستحقه لبنان وأهله استعادة حقيقية للرئاسة ودورها، تكون مع رئيس مؤهل على الجمع تحت سقف الدستور، ليكون متاحاً تشكيل حكومة كفاءات من خارج آليات نظام المحاصصة ما يثبت الاستقرار.
يمثل هذا الهدف تحدياً نوعياً مطروحاً على «القوى التشرينية» الكامنة. وهي قوى مطالبة باستعادة سريعة لفعاليتها عبر استنباط الوسائل والأطر لبلورة قطب شعبي موازٍ لقوى التسلط، الممر إليه استعادة الناس لدورها بصفتها لاعباً سياسياً. مهمة صعبة لكنها ممكنة، رغم العطب في أداء أغلبية نواب «التغيير» الذين أوصلهم إلى البرلمان التصويت العقابي الواسع. وكذلك رغم اتساع هجرة النخب، فهناك رافعات مدينية وريفية يشكل توافر الإرادة للشروع في توحيد قدراتها، عناصر يُعول عليها لقيام «الكتلة التاريخية» التي بوسعها بلورة البديل السياسي وتغيير المسار لانتشال لبنان، وإعادة تكوين سلطة حقيقية تمثيلية منبثقة من انتخابات نيابية مبكرة. ويبقى حجر الرحى في السياسة التزام المعيار الأخلاقي لأنه مدخل العدالة والرخاء والازدهار، وبغيابه تشيع الفتن مما يفضي إلى الانحطاط.

تابع آخر الأخبار العاجلة، التحليلات العميقة، وكل ما يحدث حول العالم لحظة بلحظة

عبد الرحمن الراشد أحدثت حربُ السَّنتين التي أدارها نتنياهو تغيراتٍ مهمةً على الصَّعيد الجيوسياسي وتوازناتِ القوى في منطقة الشرق الأوسط. تبنَّت إسرائيلُ بعد هجمات أكتوبر 2023 سياسةً مختلفة، من الاشتباكِ مع وكلاءِ إيرانَ إلى سياسة القضاء عليهم. تتوازنُ في المنطقة ثلاثُ قوى إقليميةٍ لكلٍّ منهَا نفوذُها ومجالُها الأمني. إسرائيل في طورِ التَّحول إلى لاعبٍ إقليميّ [...]

أحمد الدريني من ينظر إلى خريطة الإقليم سيدرك أن الوضع لم يعد مجرد أزمات عابرة، لكل واحدة منها تعاط خاص على حدة. بل باتت الخريطة موزعة بين دول مأزومة بحروب خارجية أو اقتتالات أهلية أو مهددة بأشباح انقسام، أو في سبيلها بالفعل للاجتزاء والانتقاص من مساحتها وسيادتها وحدودها. نحن نتحدث عن إقليم كامل، لكل دولة [...]

نايف الدندني – خبير إستراتيجي في شؤون الطاقة في عالم الطاقة، لطالما كان الخلاف بين وكالة الطاقة الدولية IEA ومنظمة البلدان المصدرة للنفط أوبك أحد أبرز التوترات الفكرية والسياسية. الوكالة التي تُمثل مصالح الدول المستهلكة الكبرى وخاصة الغربية، كانت منذ سنوات تُروّج لفكرة أن ذروة الطلب العالمي على النفط باتت وشيكة، بل وأصبحت في بعض [...]

غسان شربل قالَ السياسيُّ العربيُّ إنَّه يشعر بالاستفزاز كلّما قرأ عن الذكاء الاصطناعي والتغييرِ المذهل الذي سيُدخلُه في حياة الدول والأفراد. والاستفزاز ليس وليدَ شعور بالصدمةِ من تغيير هائلٍ يقترب ولن يتمكَّنَ أحدٌ من البقاء خارجه. سيتغير الاقتصادُ وستتغير العلومُ وأساليبُ العملِ والحياة. الاستفزازُ هو نتيجة الفارق المريع بين العالمِ المنخرط في صناعة هذا التَّغيير [...]

عبد الرحمن الراشد باتَ معروفاً أنَّ لِلرئيس الأميركي دونالد ترمب علاقةً متميّزةً معَ وليّ العهدِ السعودي الأمير محمد بن سلمان، وهما يجدّدان اللقاءَ الآن في واشنطن. بينَ رحلتين قامَ بهما للرياض، الأولى في عام 2017 والثانية قبل 6 أشهر. خلالَ هاتين الزيارتين وفي 8 سنوات دارت أحداثٌ كبرى غيَّرت في المنطقة والعالم، وطرحت تصوراتٍ جديدةً، [...]

موسى مهدي تأتي الأحداث الأخيرة في مدينة الفاشر لتكشف الكثير عن مستقبل مليشيا الدعم السريع في إقليم دارفور. بعد هزائمها المتتالية في ولايات الوسط والشرق من السودان، وتحملها خسائر كبيرة، تركز المليشيا الآن على دارفور في محاولة للسيطرة على كامل الإقليم، مستغلة ما لديها من قوة محلية وجنود مرتزقة. الفاشر.. صمود المدينة وفضائح المليشيا ما [...]