image

صورة التقطتها الأقمار الصناعية لموقع فوردو 2020

جوناثان كراوس | محلل أمني واستراتيجي – واشنطن

منذ إعلان التقارير الاستخباراتية الأخيرة عن أن البرنامج النووي الإيراني تراجع لشهرين فقط بفعل الضربات الإسرائيلية، اهتزت عواصم الغرب من جديد، ليس لأن إيران ما زالت تمتلك البنية التحتية النووية، بل لأن هناك لغزًا أكبر لا يجرؤ أحد على مقاربته بجرأة: أين اختفى اليورانيوم المخصب الإيراني؟

لعبة الوقت والخداع

الرئيس الأميركي السابق دونالد ترامب، الذي ما فتئ يتباهى بـ”صفقة الضغط الأقصى”، قد يكون نفسه من مهد الطريق لهذه اللحظة. فانسحاب واشنطن من الاتفاق النووي عام 2018 كان إيذانًا بتحرر إيران من كل قيود الرقابة. والنتيجة؟ بحلول 2023، كانت طهران قد راكمت أكثر من 120 كيلوغرامًا من اليورانيوم المخصب بنسبة 60%، وهي النسبة الأقرب للاستخدام العسكري.

لكن اليوم، وبحسب مصادر غربية مطلعة، فقدت الوكالة الدولية للطاقة الذرية أثر جزء من هذه الكمية. أين ذهبت؟ هل نُقلت إلى مواقع سرية؟ هل بيعت لحلفاء؟ أم أنها خُزنت ضمن مشروع سري موازٍ لما هو معلن؟ لا أحد يملك إجابة واضحة، وهذا ما يُثير الرعب.

إيران.. والتخصيب تحت الرماد

بحسب تحقيق نشره معهد العلوم والأمن الدولي في واشنطن، فإن طهران استطاعت عبر منشآت نطنز وفوردو إنشاء ما يشبه “نظام ظل نووي” يمكن إعادة تشغيله في غضون أسابيع، حتى بعد تعرض بعض المواقع لضربات إسرائيلية دقيقة.

والأدهى من ذلك، أن بعض التقارير تتحدث عن قدرة إيران على تطوير رأس نووي بسيط في أقل من عام، إن قررت اتخاذ القرار السياسي بذلك. وهذا القرار، وفق تقديري كمحلل غربي، لم يعد بعيدًا في ظل صمت إدارة بايدن وتردد الأوروبيين.

ترامب.. قنبلة بلا فتيل

يظهر ترامب في تجمعاته الانتخابية وكأنه المنتصر الأكبر على إيران. لكن الواقع، أن سياسته أحبطت التحالفات الغربية، وشجعت طهران على الغوص في لعبة الوقت. فبينما كان العالم منشغلًا بجائحة كورونا، وأزمات أوكرانيا وغزة، كانت إيران تكدّس ما يكفي لتهديد أمن الخليج وإسرائيل، بل وأوروبا نفسها.

الضربة التي لم تكتمل

صحيح أن إسرائيل استطاعت توجيه ضربات دقيقة إلى مواقع تخصيب ومخازن نووية، لكنها لم تُنهِ البرنامج. بل، بحسب مصادر استخباراتية أوروبية، ما خسرته إيران في بنيتها النووية، كسبته في تسريع التخصيب والتنويع الجغرافي للمواقع، أي أن البرنامج أصبح أكثر انتشارًا وأقل عرضة للتدمير الكامل.

أين الخلل؟

الخلل الأكبر ليس في طهران، بل في المجتمع الدولي العاجز. الصين وروسيا تلوّحان بـ”الاستقرار الإقليمي”، بينما أوروبا تغرق في الحسابات التجارية والغاز الإيراني. أما واشنطن، فهي مشلولة بين بايدن الضعيف وترامب الذي يرى في إيران مجرد ملف انتخابي.

ما الحل؟

الحل ليس في التهديد، بل في إعادة بناء سياسة احتواء ذكية، تتضمن:

  • تفاهمًا أميركيًا-أوروبيًا صلبًا بشأن الخطوط الحمراء.
  • دعمًا غير مشروط لوكالة الطاقة الذرية في عمليات التفتيش.
  • تنسيقًا استخباراتيًا مع دول الخليج لمنع نقل التكنولوجيا أو المواد.
  • وضوحًا سياسيًا: هل يُسمح لإيران بامتلاك قدرة نووية “عند الطلب”؟

وإن لم يتحرك العالم الآن، فقد نكتشف بعد عام أن ما نخشاه قد وقع فعلًا.. في صمت.