
يخوض السودان حربين متزامنتين: واحدة على الأرض، وأخرى لا تقل خطورة تُدار عبر الإعلام ومنصات التواصل الاجتماعي. في خضم هاتين الحربين، تتكاثر السرديات المضللة التي تستهدف الجيش، لإضعافه في الميدان عبر التشكيك في كفاءته والتقليل من شأن انتصاراته، مع تضخيم أي انتكاسة عسكرية، بالتوازي مع الحملات الرامية لتصويره ككيان أيديولوجي وإلغاء أي فكرة عنه كمؤسسة وطنية تُشكل عمود الدولة الفقري.
أبرز أدوات هذه الحملات هي سياسة الإغراق بتكرار السرديات نفسها حتى تبدو كحقائق مسلَّم بها، وعلى رأسها سردية «جيش الكيزان» أو الادعاء بأن المؤسسة العسكرية لم تستقبل ضباطاً غير منتمين للإسلاميين منذ عام 1989. كما تُكرر عمداً مفردتَي «طرفا النزاع» التي تساوي بين الجيش – بوصفه مؤسسة دولة – وبين مجموعة مسلحة، أو يُستخدم خطاب «إصلاح الجيش» لتبرير مشاريع سياسية، أو تمرير مخططات لإعادة هندسته لتحقيق أهداف خفية تصل إلى حد الحديث عن «جيش جديد».
يتضح أن أي دولة انهار جيشها أو جرى تفكيكه تحت أي ذريعة، سرعان ما انزلقت نحو الفوضى. وفي الحالة السودانية، يبقى الجيش اليوم الكيان الذي يدافع عن البلد، والسد الأخير الذي يمنع اكتمال سيناريوهات السيطرة على مقدراته أو تفتيته. وعلى الرغم من كل حملات التضليل، فهو مؤسسة تضم أبناء الوطن من مختلف الاتجاهات الفكرية وأطياف المجتمع ومكوناته، شأنه شأن أي مؤسسة كبيرة تعكس التنوع السياسي والاجتماعي.
ثورة ديسمبر دعت صراحةً إلى حل «قوات الدعم السريع» بترديد شعار «الجنجويد ينحل»، لكنها لم تطالب بحل الجيش أو إعادة هندسته، بل بعودته إلى الثكنات وتفرغه لدوره الوطني في حماية السودان وحدوده.
اليوم، الهجوم على الجيش جزء من الاستقطاب السياسي والحرب الإعلامية، فيما يبقى الجيش الملاذ الأخير للسودانيين. ما يحتاج إليه السودان هو جيش مهني وطني يحتكر السلاح لصالح الدولة ويبتعد عن حروب السياسة، فيما تبتعد القوى السياسية عنه بنفس الدرجة. تفكيك المؤسسة العسكرية بالخطاب أو الفعل هو تفكيك للوطن نفسه في هذا المنعطف الحرج.

سمير عطا الله يقول الكاتب الكويتي سعد بن طفلة العجمي إن الكتّاب العرب امتهنوا انتقاد الخليج والخليجيين، بمناسبة أو من دونها، وبسبب أو من دونه. واستمرت الظاهرة فترة طويلة. وانقسم المنخرطون فيها إلى فئات: الاستعلائيون الذين رأوا في الخليجيين «حديثي نعمة» وأثرياء النفط. واليسار القومي الذي رأى في البحبوحة عقبة كبرى في وجه تحرير فلسطين [...]

مارك ماكغيروفسكي تصوّر إدارة ترامب أوروبا على أنها ضعيفة ومشلولة وتواجه محواً حضارياً، ويبدو أنه يمكن الاستغناء عنها من منظور استراتيجية الأمن القومي الأمريكي؟ لا شك أن الرئيس ترامب يحب القادة الأقوياء. وكثيرًا ما يُخيّل إليه أن هذا هو المعيار الوحيد الذي يطبقه على رؤساء الدول الأجنبية عند تقييم مكانتهم السياسية وفائدتهم في تحقيق الأهداف [...]

غسان شربل ليس صحيحاً أن الغياب يعفي من العذاب. القبر لا يحصن الحاكم من أعاصير بلاده. يمكن لجثته أن تتعرض لطعنات كثيرة؛ للشماتة، والسخرية، والإذلال، وفيض الكراهيات. ويمكن أن يصاب القبر بالذعر، وبالإحراج، وبالخوف، وأن يحاول الهرب كمرتكب يبحث عن مخبأ للنجاة من غضب الناس ومحكمة التاريخ. هذا حدث قبل عام. تردد مدير مكتبه «أبو [...]

عبد الرحمن الراشد تمر سنة على نهاية نظام الأسد. التغيير هائل وتداعياته لم تنته بعد. وبمرور الذكرى الأولى، لا تزال هناك أسئلة حائرة، أبرزها: لماذا تحوّل بشار الأسد ونظامه إلى تابع لإيران منذ السنوات الأولى لحكمه؟ في تصوري، لو لم يرتكب تلك السياسة الخطرة، ربما لما آلت نهايته منفياً في موسكو. قناعتي تزداد عند مراجعة [...]

موسى مهدي لم يعد هناك شك في أن السودان يتعرض لغزو خارجي كبير، وسط ارتال الأفواج القادمة من إفريقيا الوسطى على الحدود السودانية، والتي تم توثيقها عبر وسائل التواصل الاجتماعي وشاهدها العالم بأسره. وبالتالي، فإن المعركة التي يخوضها الجيش السوداني ضد الجنجويد وداعميهم من الخارج، هي معركة الكرامة ووجود الأمة السودانية، ولا تقبل المساومة أو [...]

أماني الطويل إن ما نشهده اليوم في السياسة الأميركية تجاه السودان ليس مجرد تناقضات عابرة، بل أزمة في صنع القرار والتنسيق داخل الإدارة، والتباين الصارخ بين مسار بولس ومسار روبيو يعكس غياب رؤية استراتيجية واضحة، أو على الأقل غياب القدرة على تنفيذ هذه الرؤية بصورة متسقة. تكشف الأزمة السودانية عن واحدة من أكثر حالات التناقض [...]