
مارك ماكغيروفسكي
تصوّر إدارة ترامب أوروبا على أنها ضعيفة ومشلولة وتواجه محواً حضارياً، ويبدو أنه يمكن الاستغناء عنها من منظور استراتيجية الأمن القومي الأمريكي؟
لا شك أن الرئيس ترامب يحب القادة الأقوياء. وكثيرًا ما يُخيّل إليه أن هذا هو المعيار الوحيد الذي يطبقه على رؤساء الدول الأجنبية عند تقييم مكانتهم السياسية وفائدتهم في تحقيق الأهداف الدولية الرئيسية لأمريكا، بغض النظر عن النفوذ الفعلي أو المهارات الدبلوماسية لأي مُحاور. والسؤال هو: هل يوجد أي رجال أقوياء، باستثناء رئيس وزراء المجر فيكتور أوربان؟ من المؤكد أن أورسولا فون دير لاين وكايا كالاس لا يستوفون المعايير. كما لا ينطبق التقييم على الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، فهو مجرد “رجل لطيف”. وكذلك لا ينطبق بالضرورة على المستشار الألماني فريدريش ميرز. أما رئيسة الوزراء الإيطالية جورجيا ميلوني فهي الأقرب إلى هذا التصور، ومع ذلك ربما لا تتمتع بالسلطة الكافية التي تناسب تقييم الإدارة الأمريكية. وتصدّر الرئيس الفنلندي ألكسندر ستاب عناوين الصحف مؤخرًا باعتباره السياسي الأوروبي الوحيد الذي يتحكم في نفسية الرئيس الأمريكي. ومع ذلك، فهو مجرد “رجل لطيف آخر”.
ومن المفارقات أن هذا التقييم هو أحد أسباب تدهور العلاقات عبر الأطلسي بشكل دراماتيكي خلال رئاسة ترامب الثانية؛ حيث تنظر الإدارة الأمريكية الحالية عمومًا إلى أوروبا على أنها ضعيفة ومشلولة ومتدهورة اقتصاديًا واجتماعيًا وفاشلة في معالجة المشكلات الهيكلية الأكثر إلحاحًا. وتخسر أوروبا حربها ضد الهجرة غير الشرعية خسارة فادحة، وتتخلف في سباق التكنولوجيا. كما أن أوروبا عاجزة عن الدفاع عن نفسها عسكريًا، ناهيك عن الدفاع عن أوكرانيا. وباختصار، فإن أوروبا تحتضر بسبب عجزها عن معالجة الاتجاهات الديموغرافية السلبية. وكل هذه الظواهر المقلقة تجعل القارة العجوز أقل جاذبية بكثير فيما يتعلق بالمصالح العالمية للولايات المتحدة. وتحولت أوروبا من حليف لا غنى عنه إلى كائن ضعيف يسهل الاستغناء عنه.
لنستعراض الفصل المخصص لأوروبا في استراتيجية الأمن القومي التي كشفت عنها إدارة ترامب مؤخرًا، والذي يكشف رؤية الإدارة للقارة: “لقد اعتاد المسؤولون الأمريكيون على التفكير في المشاكل الأوروبية من منظور نقص الإنفاق العسكري والركود الاقتصادي. لكن السبب الحقيقي للتدهور الاقتصادي هو أنشطة الاتحاد الأوروبي والهيئات العابرة للحدود الوطنية التي تقوض الحرية السياسية والسيادة، وسياسات الهجرة التي تُغير القارة وتثير الصراعات، والرقابة على حرية التعبير وقمع المعارضة السياسية وانخفاض معدلات المواليد وفقدان الهويات الوطنية والثقة بالنفس”.
ورغم المبالغة في هذه الصورة، فهي ليست خاطئة تماماً؛ فأوروبا غارقة في سلسلة من الأزمات وتفتقر إلى الرؤية ويغرقها جنون الصوابية السياسية. كما أن التناقض بين تباهي أوروبا وتأثيرها الحقيقي على الساحة الدولية مذهل. فلا عجب أن يلعب القادة الأوروبيون الآن دورًا هامشيًا في مفاوضات السلام المتعلقة بمستقبل أوكرانيا. وليس من المستغرب أن يكون “الأقوياء”، لا “الطيبون”، هم من يصغي إليهم الرئيس ترامب ويحظون بثقته.
هناك العديد من المجالات التي اتّضحت فيها الفجوة الأيديولوجية بين الولايات المتحدة وأوروبا بشكل أكبر. فاليوم يصوّر الرئيس الأمريكي وأنصاره أمريكا كمنقذة للمسيحية في صراع إيديولوجي ضد العولمة. وفي هذه المواجهة ينظر المحافظون الأمريكيون إلى أوروبا الليبرالية كخصم لا كشريك، إن لم تكن تهديدًا صريحًا للحضارة الغربية. وتبدو روسيا في هذا الصدد أكثر انسجامًا مع ما يُسمى بقيم “لنجعل أمريكا عظيمة مجددًا”. وفي نظر عديد من الجمهوريين المتطرفين، يكمن الخلاص لأوروبا في صعود الأحزاب اليمينية في فرنسا أو ألمانيا أو إسبانيا: التجمع الوطني، والبديل لألمانيا، وفوكس، على التوالي.
وتتضح الفجوة الإيديولوجية أيضًا في قضية المناخ؛ حيث شكك عديد من كبار المسؤولين الأمريكيين مؤخرًا في صحة البيانات العلمية في هذا الصدد. وما يعتبره معظم صناع القرار الأوروبيين مسارًا حتميًا نحو طاقة أنظف، يُعتبر لعنة على نظرائهم في الطرف الآخر من المحيط.
وبالمثل، يختلف النهج الأمريكي تجاه القانون الدولي عن النهج الأوروبي. فعندما سُئل وزير الخارجية ماركو روبيو الشهر الماضي عن العمليات العسكرية الأمريكية ضد تجار المخدرات في منطقة البحر الكاريبي، قال: “لا أعتقد أن الاتحاد الأوروبي يملك صلاحية تحديد ماهية القانون الدولي، وما لا يملكون تحديده بالتأكيد هو كيفية دفاع الولايات المتحدة عن أمنها القومي”.
وهنا يظهر بوضوح كيف تنأى الإدارة الأمريكية بنفسها عن الأمم المتحدة، وكيف تُشدد عقوباتها على قضاة المحكمة الجنائية الدولية في لاهاي، وكيف تغض الطرف عن وحشية الجيش الإسرائيلي في قطاع غزة. و”الدفاع عن الأمن القومي”، وفق روبيو، يطغى على كل الشكوك القانونية ويمكن استخدامه كحجة وجيهة في أي ظرف من الظروف.
كما يشكل اختلاف مواقف أمريكا وأوروبا تجاه التأثير المتزايد للذكاء الاصطناعي عاملًا آخر مثيرًا للانقسام. فبالنسبة للشركات الأمريكية، يمثّل هذا الأمر فرصة يجب اغتنامها وتجاوز عواقبها، بينما يمثّل الذكاء الاصطناعي تهديدًا لمعظم المجتمعات الأوروبية. فالأمريكيون يؤكدون أنه “ربما سنفقد بعض الوظائف، لكننا سنخلق المزيد”، لكن الأوروبيين ليسوا على نفس القدر من اليقين: “ربما سنخلق بعض الوظائف، لكننا سنفقد الكثير منها”.
ومن اللافت للنظر أنه لا تزال الغالبية العظمى من الأمريكيين تساوي بين شرق أوروبا وغربها. ولا يتعلق الأمر بأوروبا الغربية مقابل أوروبا الشرقية، بل بأوروبا مقابل مزيج من دول وشعوب ما بعد الاتحاد السوفيتي. ورغم انهيار الستار الحديدي قبل 35 عامًا، لكنه لا يزال راسخًا في عقلية عديد من الغربيين، سواءً كانوا أمريكيين أو فرنسيين أو بريطانيين أو ألمان.
إن المعضلة الأكثر إيلامًا التي تواجهها حكومات أوروبا الوسطى في الوقت الحالي هو شعورها بأن تواصلها مع إدارة الرئيس ترامب كحكومات أوروبية لا يثير مشاعر إيجابية لدى هذه الإدارة. كما أن لدى هذه الحكومات تساؤلات حول لعب دور “الرجال الأقوياء” من الشرق أم “الرجال الطيبين” من باريس وهلسنكي. وهذا قد يربك علاقاتهم مع العواصم الأوروبية الكبرى.
في الواقع، هناك دول قليلة، بل وقادة أقل، في أوروبا قادرون على سد هذه الفجوة، من خلال رعاية علاقات ممتازة باستمرار وفي آن واحد مع واشنطن وبرلين وبروكسل. وبولندا واحدة من هذه الدول، برئيس موال بشدة لأمريكا ورئيس وزراء موال بشدة لأوروبا.
وفي النهاية، للأسف، لا تسمح الطبيعة الحزبية العميقة للسياسة الداخلية للسياسيين البولنديين بأن يكونوا موالين لأوروبا وأمريكا على حد سواء، وهو نمط مألوف في التسعينيات عبر مختلف الأطياف السياسية. وعلى العكس من ذلك، تهيمن الآن التيارات المؤيدة لترامب والمعارضة له على الخطاب العام في وارسو. وعلى ما يبدو، وبموازاة ما حدث في الشرق الأوسط، إنها قاعدة عامة: لا نفوِّت فرصة لتفويت الفرصة.
* صحيفة ناشونال إنترست

سمير عطا الله يقول الكاتب الكويتي سعد بن طفلة العجمي إن الكتّاب العرب امتهنوا انتقاد الخليج والخليجيين، بمناسبة أو من دونها، وبسبب أو من دونه. واستمرت الظاهرة فترة طويلة. وانقسم المنخرطون فيها إلى فئات: الاستعلائيون الذين رأوا في الخليجيين «حديثي نعمة» وأثرياء النفط. واليسار القومي الذي رأى في البحبوحة عقبة كبرى في وجه تحرير فلسطين [...]

غسان شربل ليس صحيحاً أن الغياب يعفي من العذاب. القبر لا يحصن الحاكم من أعاصير بلاده. يمكن لجثته أن تتعرض لطعنات كثيرة؛ للشماتة، والسخرية، والإذلال، وفيض الكراهيات. ويمكن أن يصاب القبر بالذعر، وبالإحراج، وبالخوف، وأن يحاول الهرب كمرتكب يبحث عن مخبأ للنجاة من غضب الناس ومحكمة التاريخ. هذا حدث قبل عام. تردد مدير مكتبه «أبو [...]

عبد الرحمن الراشد تمر سنة على نهاية نظام الأسد. التغيير هائل وتداعياته لم تنته بعد. وبمرور الذكرى الأولى، لا تزال هناك أسئلة حائرة، أبرزها: لماذا تحوّل بشار الأسد ونظامه إلى تابع لإيران منذ السنوات الأولى لحكمه؟ في تصوري، لو لم يرتكب تلك السياسة الخطرة، ربما لما آلت نهايته منفياً في موسكو. قناعتي تزداد عند مراجعة [...]

موسى مهدي لم يعد هناك شك في أن السودان يتعرض لغزو خارجي كبير، وسط ارتال الأفواج القادمة من إفريقيا الوسطى على الحدود السودانية، والتي تم توثيقها عبر وسائل التواصل الاجتماعي وشاهدها العالم بأسره. وبالتالي، فإن المعركة التي يخوضها الجيش السوداني ضد الجنجويد وداعميهم من الخارج، هي معركة الكرامة ووجود الأمة السودانية، ولا تقبل المساومة أو [...]

أماني الطويل إن ما نشهده اليوم في السياسة الأميركية تجاه السودان ليس مجرد تناقضات عابرة، بل أزمة في صنع القرار والتنسيق داخل الإدارة، والتباين الصارخ بين مسار بولس ومسار روبيو يعكس غياب رؤية استراتيجية واضحة، أو على الأقل غياب القدرة على تنفيذ هذه الرؤية بصورة متسقة. تكشف الأزمة السودانية عن واحدة من أكثر حالات التناقض [...]

الدكتور طلال أبوغزاله بينما تظل الأنظار العالمية مركزة على النزاعات في غزة وأوكرانيا، يواصل القادة السياسيون الحديث عن السلام دون تقديم تعريف واضح لما يتطلبه السلام فعلاً. قد توفر اتفاقات وقف إطلاق النار راحة مؤقتة، لكنها لا تعالج الأسباب العميقة للحروب. الانتقال من العنف إلى السلام يتطلب حلولًا سياسية طويلة الأمد تعالج المظالم الجوهرية. هذا [...]