image

الرئيس الروسي بوتين

من دمشق إلى الخرطوم، ومن بنغازي إلى الجزائر، تتسلّل روسيا بهدوء لإعادة تشكيل خارطة النفوذ في العالم العربي، مستغلة تراجع الدور الأميركي، وتشظّي الموقف الأوروبي، وفوضى الإقليم المتشابكة. فهل نحن أمام صعود روسي جديد على أنقاض النظام العربي القديم؟ أم أن ما يجري لا يعدو كونه توازناً تكتيكياً مؤقتاً في معركة كبرى تتجاوز المنطقة؟

بوتين يتحرك حيث تغيب واشنطن

منذ اندلاع حرب أوكرانيا، تكثفت التحركات الروسية في المنطقة العربية، ليس فقط عسكرياً، بل اقتصادياً ودبلوماسياً. موسكو تُدير ملفات سوريا وليبيا والسودان بطريقة تراكمية، وتُعزّز حضورها عبر أدوات مرنة تتراوح بين الدعم السياسي، والعقود العسكرية، وشبكات النفوذ الخفي.

🔹 الباحث الأميركي دانيال وايس – مركز بروكينغز – واشنطن:
“روسيا لا تبحث عن السيطرة الكاملة، بل عن نفوذ مستدام في فراغات تركتها واشنطن.”

لعبة الطاقة والقمح.. الدبلوماسية بصيغة روسية

في شمال إفريقيا، خصوصًا الجزائر ومصر وتونس، تحوّلت روسيا إلى مزوّد رئيسي للحبوب والأسلحة. كما تتوسع استثماراتها في قطاعات الطاقة والبنية التحتية، من خلال عروض أقل تقييدًا من الشروط الغربية.

🔹 المحللة الفرنسية إيمانويل دوما – معهد العلاقات الاستراتيجية – باريس:
“روسيا تفهم جيدًا أن الشعوب الجائعة لا تهتم بالتحالفات السياسية. لذا تقدم نفسها كبديل عملي مقارنة بالغرب المشروط والمتردد.”

النفوذ العسكري.. من سوريا إلى السودان

لا تزال روسيا تلعب بأوراق النفوذ العسكري، لكن التحالفات تتغير بوضوح. فبعد سقوط نظام الأسد، لم تعد سوريا حليفًا تلقائيًا لموسكو. الرئيس الجديد أحمد الشرع يُعيد صياغة العلاقة بمنطق الشراكة المشروطة لا التبعية.

🔹 المحلل الروسي أندريه زاخاروف – مركز الدراسات الأوراسية – موسكو:
“الشرع لا يقطع مع موسكو، لكنه لا يمنحها شيكًا مفتوحًا. نحن أمام تحالف مرن لا استراتيجي دائم.”

أما في السودان، فتواصل موسكو مساعيها لتثبيت وجود دائم في البحر الأحمر، عبر اتفاقيات بحرية وعلاقات متشابكة مع الأطراف العسكرية المتصارعة.

الغرب يتراجع.. وروسيا تملأ الفراغ

واشنطن تتراجع استراتيجياً، وأوروبا منشغلة بأوكرانيا وملفات الطاقة. هذا التراجع سمح لروسيا بملء الفراغ عبر أدوات ضغط سياسية وإعلامية وعسكرية.

🔹 د. كاميليا عبدالعزيز – باحثة مصرية في العلاقات الدولية – لندن:
“العرب لم يعودوا أسرى خيار أحادي مع واشنطن. تنويع التحالفات بات ضرورة سياسية.”

نهاية مرحلة.. أم بداية عالم متعدد الأقطاب؟

ما يجري في المنطقة ليس مجرد تحول نحو موسكو، بل بداية لعصر عربي جديد يبحث عن توازن مستقل. الخليج، ومصر، ودول شمال إفريقيا تتبنى سياسات براغماتية تُراعي مصالحها أولًا.

🔹 د. فريدريك هولت – جامعة برلين:
“روسيا تكسب النفوذ حين يتردد الغرب، لكن العرب اليوم أكثر وعيًا بمصالحهم.”

خلاصة

التحالفات تتغير، ولا تعني القطيعة مع الغرب ولا التبعية لموسكو. بل هي محاولة لإعادة صياغة التوازنات بما يخدم مصالح العرب في نظام عالمي جديد لم تتضح ملامحه بعد.

وحدة السياسية – لندن – اليوم ميديا