
أثارت وسائط التواصل الاجتماعي أخيراً قضية خطف النساء في سوريا، وسط اتهامات بالتستر الرسمي وإنكار الظاهرة، بينما تتصاعد تساؤلات حول حقيقة ما يجري داخل المناطق الخاضعة لسيطرة الحكومة السورية الجديدة.
ويرى محللون أن الاتهامات لا تقتصر على تواطؤ حكام الدولة الجدد في موجة من عمليات الاختطاف التي تستهدف النساء العلويات، بل تتجاوز ذلك إلى تنظيم حملة ممنهجة لمحو الأدلة وإجبار الضحايا على الظهور إعلامياً لإنكار ما تعرّضن له.
بعد ما يقرب من عام على سقوط الحكومة السابقة في دمشق، تتورّط الإدارة الجديدة المدعومة من الغرب، بقيادة زعيم القاعدة السابق والرئيس المعيّن ذاتياً أحمد الشرع (أبو محمد الجولاني)، في فضيحة مقلقة تتضمن—as تقول منظمات حقوقية—الاختطاف الممنهج والاغتصاب و”الزواج” القسري للنساء العلويات، يلي ذلك تستر إعلامي يُجبر الضحايا على الظهور أمام الكاميرا لنفي اختفائهن.
وتشمل الحملة ظهور نساء مثل ميرا جلال ثابت، لانا أحمد، نغم عيسى، ومي سليم سلوم في مقاطع مصوّرة نشرتها وسائل إعلام موالية للحكومة، بدعوى أن اختفاءهن كان طوعياً. ويهدف ذلك—وفق مراقبين—إلى تحييد العائلات، محو الأدلة، وإغلاق التحقيقات الإعلامية.
وقال المتحدث باسم وزارة الداخلية، نور الدين البابا، لوسيلة “بلاد الشام 24” الموالية للحكومة في 2 نوفمبر: “لا توجد—إذا جاز التعبير—ظاهرة اختطاف النساء في الساحل السوري. عمليات الاختطاف الحقيقية نادرة جداً. لكن وفرة تقارير الاختطاف المزيفة طغت على التقارير الحقيقية”.
وادعى المتحدث أن الوزارة حقّقت في 42 عملية اختطاف مزعومة لنساء علويات، ولم تثبت صحة إلا حالة واحدة فقط.
لكن تصريحات الوزارة تتناقض مع توثيقات جماعات حقوق الإنسان ووسائل إعلام دولية ومحلية—بينها لجنة التحقيق التابعة للأمم المتحدة، رويترز، منظمة العفو الدولية، الدراج، المشاهد، والمهد—والتي وثّقت جميعها عشرات حالات الاختطاف منذ وصول الشرع إلى السلطة قبل نحو عام.
أشار موقع “المشرق العربي 24” إلى حالتين “مزيفتين” حسب روايته: ميرا جلال ثابت ونغم عيسى.
كانت ميرا تعيش مع والديها في قرية المختبية بريف تلكلخ، محافظة حمص، وتحضُر دورة في معهد تدريب المعلّمين في حمص. لكن والدها كان يمنعها من الذهاب بسبب الوضع الأمني المتوتر بعد سقوط الحكومة السابقة.
وفق رواية أسرتها، اتصلت امرأة تدّعي أنها من المعهد وشجّعت الوالدين على السماح لميرا بإجراء الامتحان النهائي، مُصرّة على إحضارها يوم 27 أبريل. اصطحبها والدها فعلاً، لكن حراس الأمن منعوه من دخول المبنى. بقي ينتظر… لكن ميرا لم تخرج.
بعد الإبلاغ عن اختفائها، نفى موظفو المعهد أي صلة بما حدث، بينما أصرّ والدها على أن المتصلة كانت تعرف بيانات دقيقة عن ابنته.
عادَت ميرا بعد أسبوعين—بتاريخ 8 مايو—في ظهور غريب: ترتدي برقعاً على الطراز الأفغاني، برفقة رجال مسلحين، ويتم سحبها من معصمها بواسطة رجل يدّعي أنه زوجها الجديد.
انتشرت صورها كالنار في الهشيم، وأكد المرصد السوري لحقوق الإنسان أن حالة “غضب شعبي واسع” اجتاحت البلاد، وسط تقارير عن أن ميرا تم تسليمها لجماعة مسلحة في حمص، وأن والدها اعتُقل لاحقاً.
ووصف المرصد ما جرى بأنه تحول من اختطاف إلى “زواج بالتراضي” تحت حماية أمنية.
سارعت وسائل إعلام موالية للحكومة إلى إطلاق حملة لإثبات أن ميرا هربت طوعاً للزواج من شاب سُنّي كانت تحبه.
في 9 مايو، ظهر الصحفي أمير عبد الباقي، الذي يملك 250 ألف متابع على فيسبوك، وهو يقابل ميرا وزوجها المزعوم “أحمد” داخل منزلها. بدا الخوف واضحاً على ميرا. نفت الخطف بصوت خافت، بينما قال الصحفي في نهاية المقابلة:
“لماذا نُحوّل قصص الحب إلى خطف وابتزاز؟”
لكن الفيديو أثار مزيداً من الغموض:
أين والدا ميرا؟ الأب معتقل منذ يومين.
لماذا ظهرت مع عناصر أمنية قبل وصولها للمنزل؟
لماذا حاولت كشف كدمات واضحة على معصمها خلال مقابلة أخرى؟
كما كشفت صور لاحقة على وسائل التواصل أن “أحمد” والصحفي عبد الباقي كانا يحتفلان سوياً بسقوط الأسد قبل أشهر، ما أثار شكوكاً حول هندسة الرواية إعلامياً.
وفي أكتوبر، وبعد تراجع الزخم الإعلامي، تعرّض صالون والد ميرا في المختبية إلى هجوم مسلح بقنبلة يدوية ورصاص كثيف، أدى لمقتل شابين وإصابة الوالد وشقيقها، مما عزز فرضية الانتقام لإسكات العائلات.
ظهرت قضية لانا أحمد (15 عاماً) على النمط ذاته.
بعد نشر والدتها فيديو تستغيث فيه وتؤكد تعرّض ابنتها للاختطاف ووجود كدمات على جسدها، ظهر فيديو آخر للانا وهي ترتدي حجاباً أبيض وتقول إنها لم تُختطف، وإن كل ما قيل “شائعات”.
كانت لانا قد اختفت من حي الأوقاف الراقي في اللاذقية في 25 مارس، وسط موجة عنف طائفي ضد العلويين في المنطقة. أرسل الخاطفون صورة لها بعلامات كدمات، وطالبوا والدتها بفدية مالية كبيرة.
قدمت الأم شهادات للصحفيين من “الدراج” ضمن تقرير وثّق 10 حالات مختطفات، لكنها بقيت خائفة من التصريح العلني.
استغل بعض الصحفيين الحكوميين القضية لتقويض كل التقارير المتعلقة بخطف النساء.
أحدهم—وهو قطيبة ياسين—كتب على منصة “إكس” لـ 500 ألف متابع: “لا يوجد في سوريا شيء اسمه إعطاء الفتيات ولا جهاد النكاح… حتى داعش لم يكن لديها عبيد جنس”.
وهو تصريح يتناقض مع توثيق الأمم المتحدة ومئات الشهادات حول جرائم داعش بحق الإيزيديات.
كما هدّد ياسين نشطاء حقوق الإنسان، ودعا متابعيه إلى الإبلاغ عن حساباتهم.
بينما تنفي الحكومة وجود أي ظاهرة، تؤكد المنظمات الحقوقية أن النمط واحد:
اختطاف
اختفاء لأيام أو أسابيع
ظهور مفاجئ في فيديو “نفي”
تهديد للأهالي
غياب تحقيقات مستقلة
حالات عنف موثقة جسدياً
اغتيالات أو هجمات على من يصرّ على كشف الحقيقة
وتبقى الأسئلة مفتوحة: هل نحن أمام سلسلة جرائم منظمة داخل مناطق النفوذ الجديدة؟ أم أمام حرب روايات تسعى كل جهة لاستثمارها؟
في ظل الخوف، الترهيب، وانعدام الشفافية، يبدو أن الضحايا الحقيقيين ما زالوا خارج الكادر… وصامتين.

تواصل شبكة اليوم ميديا سلسلة تحقيقاتها حول فساد نظام البشير وكشف خبايا السودان، وفي الحلقة الثانية نسلط الضوء على تأسيس قوات الدعم السريع عام 2013 ودورها في ارتكاب انتهاكات واسعة ضد المدنيين خلال العمليات العسكرية في دارفور وجبل مرة. يكشف هذا المقال كيف استغل النظام هذه القوة لترسيخ نفوذه، وكيف أصبح قائدها محمد حمدان دقلو [...]

يعكس وصول وفد عسكري مشترك من المملكة العربية السعودية ودولة الإمارات العربية المتحدة إلى مدينة عدن حجم القلق المتزايد لدى الرياض وأبوظبي من استمرار التصعيد العسكري والسياسي في جنوب اليمن. ويأتي هذا التحرك في توقيت بالغ الحساسية، بعد إعلان المجلس الانتقالي الجنوبي سيطرته على مساحات واسعة في محافظات الجنوب، وما رافق ذلك من هجمات دامية [...]

تتصاعد مؤشرات التوتر بين الولايات المتحدة وإسرائيل على نحو غير مألوف، بعدما كشفت صحيفة وول ستريت جورنال عن خلافات حادة بين الطرفين بشأن الموقف الإسرائيلي المتشدد تجاه سوريا، في ظل رغبة الإدارة الأمريكية بقيادة الرئيس دونالد ترامب في تحقيق انفراجة سريعة في الملف السوري بعد التغيرات التي شهدتها البلاد أواخر 2024. واشنطن تعبّر عن استيائها [...]

بدأ محمد حمدان دقلو، المعروف باسم حميدتي، يشعر أنه يستحق موقعًا أفضل ضمن هياكل النفوذ والسلطة في السودان. في عام 2007، شرع في تمرد ضد الحكومة السودانية، وهو ما وثقه تحقيق ميداني مصور لشبكة سي إن إن بعنوان "في حضرة الجنجويد" أو “Meet the Janjaweed”، حيث ظهرت المذيعة نعمة الباقر لأول مرة في معسكرات الجنجويد [...]

لجأت حكومة عمر البشير إلى تسليح القبائل واستخدامها للقتال بالوكالة، لمواجهة حركات التمرد المسلحة في أطراف البلاد التي رفعت شعارات تعبر عن تظلماتها. كان ميدان المواجهة الرئيسي هو إقليم دارفور، لكن النار التي أشعلها هناك في أقصى الغرب كان لها أثر طويل المدى على النظام في الخرطوم. بداية الصراع في دارفور بدأت الأزمة عام 2003 [...]

شهدت سوريا تحولات كبيرة خلال السنوات الأخيرة، أبرزها صعود أبو محمد الجولاني، المعروف سابقًا كقائد جهادي في داعش، وتحوله إلى شخصية سياسية مركزية في إدلب، وصولًا إلى لقب "أمير دمشق" بعد سقوط حكومة بشار الأسد. ويُعتقد أن تركيا لعبت دورًا حاسمًا في هذا التحول، من خلال استراتيجيات براغماتية مدروسة. البداية: إدلب والحلم الكبير في ربيع [...]